تباين المواقف العربية تجاه التدخل الروسي في سوريا
4 نوفمبر 2015
أصبح الإعلامي أحمد موسى، وهو أحد أبرز الإعلاميين الموالين؛ بل والمبشرين بسياسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، محط سخرية الجميع سواء في الوسط المحلي، أو العالمي، بعدما عرض في برنامجه التلفزيوني فيديو يُظهر قصف الجيش الروسي للبؤر الإرهابية لداع في سوريا. وبنبرة حماسية قال: “روسيا مش رايحة تهزر، الأمريكان بقالهم سنة ونص بيهزروا."
كما ادعى أن برنامجه يساند الدولة المصرية، ويكشف عن عملاء أمريكا الذين يعملون ضدها. لكن هذا الفيديو الخطير الذي عرضه لم يكن سوى لعبة "فيديو جيم"، اسمها "أباتشي إير أسلت “.
وتتفق حكومة المصرية بقيادة السيسي بشكل كبير مع وجهة نظر موسى في فاعلية الضربات الروسية لعناصر داعس، حيث أعرب وزير الخارجية المصري سامح شكري عن ترحيب بلاده بهذه العمليات العسكرية، مشيراً إلى الرغبة الروسية القوية في مكافحة الإرهاب، ومحاصرة انتشاره في سوريا. وهناك عدد كبير من الصحفيين والمفكرين الذين يعتقدون أن الضربات الروسية لداع بمثابة ردٍّ على التواطؤ الأمريكي التام مع الإرهابيين طوال الفترة الماضية. تلك النبرة الانفعالية تهدف كالعادة إلى التأثير على الرأي العام المصري، وتطويعه لخدمة الموقف الرسمي للحكومة المصرية التي هي نفسها ترفض مجابهه الواقع.
لكن السؤال المطروح هو: لماذا تهتم حكومة السيسي بدعم نظام الأسد؟
والجواب لا يحتاج إلى جهد كبير، فمن جهة أولى معظم المهللين للضربات الروسية؛ وعلى رأسهم الرئيس المصري هم من المناهضين لثورة 25 يناير، حيث يعتبرونها مؤامرة وليست ثورة، لأنها تهدف في الأساس إلى "إعادة فك وتركيب الدولة المصرية" على حد قول الرئيس المصري، وبالتالي فهزيمة نظام الأسد الديكتاتوري ستكون لها عواقب سلبية على الساحة النظام المصري. هناك أيضا مصلحة مباشرة للسيسي في دعم بوتين، تتمثل في استمرارية صفقات الأسلحة التي يوفرها له باتفاقات غير مشروطة، بخلاف الولايات المتحدة التي تضع شروطاً على صفقاتها مع مصر، مثل: احترام حقوق الإنسان، والإصلاح السياسي. ولقد كان تعليق الدعم العسكري السنوي الذي يقدر ب 1,3 مليار دولار من المساعدات العسكرية بعد ارتكاب السيسي لمجزرة رابعة منذ أكثر من سنتين وانحرافه عن المسار الديمقراطي؛ بمثابة جرس إنذار بأن المساعدات العسكرية من واشنطن لم تعد مضمونة، حيث يمكن تعليقها في حالة الاضطرابات السياسية في البلاد، الشيء الذي يجعل من بوتين البديل الأكثر فاعلية لدى السيسي.
وفي مقابل هذا؛ تحاول الحكومة المصرية عدم خسارة داعميها من دول الخليج المناهضة للتدخل العسكري الروسي في سوريا، وذلك عن طريق فك الارتباط بين تدخل موسكو، وتدخل وإيران ـ العدو الأكبر للخليج في المنطقة، حيث شاركت القوات المصرية مع قوات خليجية لمحاربة الحوثيين باليمن، وهي رسالة مفادها أن دعم مصر لبوتين لا يعني بالضرورة دعمها لإيران. في حين كان لدول الخليج، وعلى رأسها السعودية رأي آخر، فهي تريد أيضاً القضاء على داعس، لكنها في الوقت نفسه لا ترغب في استمرار نظام الأسد بسبب علاقته مع إيران، ومع حركة حزب الله في لبنان. وهذا الموقف موقف ثابت، حيث إن دول الخليج بها أقليات شيعية موالية لإيران، وهي أقليات ترغب في إثارة القلاقل بسبب المعاملة السيئة التي يلقاها أفرادها من الحكام السنة، وأبرز مثال على ذلك كان تدخل دول الخليج في انتفاضة الأغلبية الشيعية في البحرين خلال الأشهر الأولى من الربيع العربي. ونظراً لتخوف السعودية من أن المطالبة بالإصلاح الديمقراطي في البحرين قد تقوى شوكة الأقليات الشيعية في الخليج، تدخلت عسكرياً لؤد هذه الثورة منذ بدايتها، وهو الأمر الذي يعتبر خطا أحمر لا يمكن لدول الخليج أن تتهاون في ردعه، لأنها تنظر لهذا الصراع من منظور سنة في مقابل شيعة، نظرا لمحاولات إيران الفعلية الساعية للتمدد في المنطقة، والتي في حد ذاتها تمثل رؤية من منظور معاكس؛ منظور الشيعة في مقابل السنة.
وتقوم سياسة السعودية على اعتبار داعس منظمة إرهابية، بينما يراها الشيعة منظمة كافرة يجب القضاء. كما تنظر السعودية إلى الحركات الشيعية في المنطقة ومختلف النظم التي تساند تلك الحركات بما فيها نظام الأسد على أنها الخطر الأكبر الذي يهدد دول الخليج، ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها، إذ تزخر هذه المنطقة بديانات وملل مختلفة تتبنى عقيدة توسعية قد تزيد من حدة الأزمة وتحولها لحرب دينية، وبالطبع لا يمثل ذلك خطرا كبيرا على النظم فحسب، بل على كل شعوب المنطقة التي فاض بها الكيل، ولم تعد قادرة على تحمل أعباء الحروب. ففي كلمته في المؤتمر السنوي لصنّاع السياسات الأمريكية -العربية الذي انعقد في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 15 أكتوبر 2015، أعرب رئيس جهاز الاستخبارات السعودي، الأمير تركي الفيصل، عن استيائه من حكومة المالكي الشيعية في العراق، ومن الحوثيين في اليمن، ومن داعس، ومن نظام الأسد، لأنهم يدفعون المنطقة نحو الطائفية التي تعتبر الخطر الأكبر. وأكد الفيصل على أن " محاربة الطائفية ليست مهمة سهلة، وأن كل صديق لبشار الأسد هو عدو للشعب السوري، ولمن يحاول مساعدة هذا الشعب للخروج من تلك الحرب الطاحنة"، وللأسف انضمت روسيا، وقبلها إيران للأسد، وفي ذلك عداء للسوريين، وسوف تلاحقهم لعنة أكثر من ثلاثمائة ألف روح ممن راحوا ضحية طغيان بشار والخميني وبوتين.
إن رفض دول الخليج الصارم لوجود بشار على مائدة المفاوضات ليس وليد الربيع العربي فحسب، بل تعود جذوره لما قبل اشتعال الثورة السورية التي تحولت إلى حرب أهلية، فعلاقة بشار ببوتين ليست هي أساس المشكلة، وإنما أساسها تلك العلاقة القوية بين بشار والتحالف الشيعي في المنطقة بقيادة إيران، أو بمعنى آخر العلاقة القائمة بين النظامين العلوي والشيعي. وقد بات واضحا مدى قوة تلك العلاقة بعدما قامت إيران وحزب الله بتوفير الدعم المادي واللوجستيكي لقوات الأسد، علاوة على إمدادها له بأفراد مقاتلة، مما أمدَّ في عمر نظامه حتى وقتنا الراهن. وعموماً فسياسة الخليج تقوم على أساس أن صديق عدوي هو عدوي، وبالتالي فالصداقة العلوية الشيعية هي تهديد لدول الخليج التي بها جاليات شيعية، وكل انتصار لبشار الأسد في الحرب يعني امتدادًا إيرانيًّا شيعيًّا في المنطقة، وهذا ما يُنذر بعواقب وخيمة من الناحية الجيوبوليتيكية.
وأما ما يتعلق بروسيا؛ فهي من ناحيتها تريد بشار الأسد على مائدة المفاوضات في الفترة الانتقالية، وهو أمر تستبعده دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية التي تبوأت مركز القيادة في أعقاب الربيع العربي، الأمر الذي يضع الإدارة الأمريكية في حيرة حول أنسب الطرق لحل الأزمة، وتبقى أفضل الحلول بالنسبة لأوباما منحصرة في عدم المواجهة مع أي طرف تجنباً لتفاقم الأزمة الراهنة، وكذا تفاديا لخلق أزمة أخرى بالمنطقة.
هكذا تزداد خيوط الصراع في المنطقة تشابكا وتعقيدا بعد تضارب المواقف وتباينها تجاه هذا التدخل الروسي في الشأن السوري، مما يُنذِر بمستقبل أكثر قتامة من هذا الحاضر، حيث يصعب علينا حاليا التكهن بسيناريوهاته المحتملة. ولعل الأيام أو السنوات القادمة كفيلة بالكشف عن نتائج هذه الأزمة التي تعيشها المنطقة، ومدى انعكاساتها على العالم بأسره.