- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تغيير السلطة: المغرب بعد إقالة بنكيران
في منتصف آذار/مارس، استند ملك المغرب محمد السادس على المادة 47 من دستور عام 2011 لإعفاء رئيس الوزراء عبد الإله بنكيران من منصبه. وقد طلب الملك من هذا السياسي المخضرم المتحدر من بيئة متواضعة نسبيًا حيث نشأ في الرباط سلا التنحي رغم تعيينه لولاية ثانية وفوز حزبه في التصويت الشعبي والتزام الملك بالإصلاحات الديمقراطية خلال الربيع العربي الذي شهده المغرب في 2011. وتمثّل الهدف من هذه الخطوة في تذليل عائق من أمام "حزب العدالة والتنمية" الذي يخوض مفاوضات بشأن إقامة حكومة ائتلافية. لكن تبقى عدة أسئلة متمحورة حول السبب الذي دفع بالعاهل المغربي إلى عدم استخدام تكتيك قد لا يراه الخارج والداخل بمثابة إهانة بهذا الحجم للقيم الديمقراطية. ويسعى هذا التحليل إلى الحصول على إجابات في الظروف الداخلية والقوى المحيطة بالحدث، كما يسلّط الضوء على احتمال بقاء المغرب شريكًا ينعم بالاستقرار في منطقة تعجّ بالاضطرابات.
كان عزيز أخنوش، وهو صديق للملك محمد السادس وداعم لقطاع الأعمال، الأداة المستخدمة لتنحية بنكيران. ورغم أن حزب "التجمع الوطني للأحرار" الذي يقوده أخنوش لم يفز بولاية شعبية، إلا أنه عرقل ائتلاف بنكيران الجديد بعد تقويض ائتلاف آخر تمّ الاتفاق عليه مسبقًا. وعقب انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2016، خاض بنكيران مفاوضات بشأن دمج "التجمع الوطني للأحرار" و"الحركة الشعبية"، لكنه رفض انضمام "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" الذي فضّله أخنوش على "حزب التقدم والاشتراكية". وكان "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" و"الاتحاد الدستوري" و"الحركة الشعبية" يقفون في صفّ "التجمع الوطني للأحرار". أما السبب الذي كان جعل أخنوش يتمتّع بهذا القدر من القوة والنفوذ فلا يزال مبهمًا نظرًا إلى أن حزب "التجمع الوطني للأحرار" لم يفز في الانتخابات. وقد يُعزى السبب إلى علاقته الوثيقة بالسلطة الملكية وبالمخزن.
ويقف قائدا "حزب العدالة والتنمية" وحزب "التجمع الوطني للأحرار" على طرفي نقيض في المعترك السياسي. فبنكيران و"حزب العدالة والتنمية" الإسلامي المعتدل نسبيًا يستندان إلى مبادئ موجهّة دينيًا وإلى الشفافية ومكافحة المحاباة والفساد. وكان النقاد الداخليون والخارجيون على السواء، بمن فيهم الأمم المتحدة ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" ووزارة الخارجية الأمريكية، قد فتحوا تحقيقًا ويواصلون مراقبة المشاكل التي يواجهها المغرب مع الفساد وغياب الشفافية في الإدارة والقوات الأمنية والقضاء. وقد أدّت المشاكل إلى اندلاع تظاهرات مناهضة للحكومة خلال الربيع العربي الذي شهدته المملكة والاستفتاء على الدستور. وغم أن "حزب العدالة والتنمية" مقيّد في نهاية المطاف بقوة التوزيع التي ينص عليها دستور 2011، يُنتخب ديمقراطيًا وهو عمليًا الحزب السياسي الوحيد في البرلمان المغربي الذي يرى عامة الشعب أنه مستقل نسبيًا عن المخزن. كما لم تطل شكاوى الفساد الكبيرة "حزب العدالة والتنمية" بخلاف العديد من منافسيه. ويشير فوزه في الانتخابات بشكل مستمر منذ عام 2011 إلى اهتمام الشعب المغربي بالإصلاح والتوزيع العادل للتمويل والفرص خارج الدوائر القديمة العهد لأصحاب الامتيازات السياسية.
غير أن "حزب العدالة والتنمية" وبنكيران خسرا ربما الدعم السياسي الذي كانا يحظيان به بسبب بعض السياسات المعتمدة وسلوك قادتهما. وكان "صندوق النقد الدولي" أرغم الحزب وبنكيران على إرساء التوازن في الميزانية. وشملت تدابير التقشف خفض تمويل التعليم ومعاش الموظفين الحكوميين التقاعدي والإعانات على مواد غذائية أساسية مثل الطحين والبنزين، وهي إعانات كان الملك محمد السادس حافظ عليها أو أقرها لاسترضاء الشعب. كما أثار "حزب العدالة والتنمية" غضب بعض جماعات الدفاع عن حقوق النساء وخيّب أمل المنظمات المعارضة مثل حركة "20 فبراير". أخيرًا، كانت علاقة بنكيران بمجموعات الأمازيغ المغربية التي تشكّل أقلية متوترة نظرًا إلى التصريحات التي اعتُبرت مهينة حيال ثقافة البربر ولغتهم. وقد يكون فقدان بنكيران لشعبيته ودعم الإعلام من أهم العوامل التي شجعت معارضيه ودعمت مركزهم.
ولربما شكّل الإحراج المتكرر الذي سبّبه بنكيران للملك محمد السادس المسمار الأخير في نعش مسيرته السياسية. فقد انتقد روسيا بسبب أفعالها في سوريا بعد مرور بضعة أشهر فقط على استقطاب المملكة الاستثمارات والسياح الروس. كما هاجم الصين في العام نفسه الذي أنهى خلاله الملك مشروع "مدينة محمد السادس- طنجة تيك" المدعومة من الحكومة الصينية. وتفوّه كذلك بكلام غير موزون وفي غير محلّه مرة أخرى خلال مفاوضات أجراها المغرب بشأن مشروع "نور ورزازات IV"، وهي محطة للطاقة الشمسية يتمّ بناؤها بتمويل ألماني في درعة - تافيلالت.
من جهة أخرى، إن "التجمع الوطني للأحرار" علماني بحت ويتلاءم مع المقاربة المؤيدة للتنمية التي يعتمدها المخزن، رغم تورطه في فضائح فساد. إن هذا الحزب السياسي ينتمي إلى اليمين الوسطي وهو موال للقصر أسّسه أواخر سبعينيات القرن الماضي أحمد عصمان، صهر الملك الحسن الثاني والد الملك محمد السادس. وقد استلم أخنوش السلطة في 2012 من صلاح الدين مزوار، وزير الشؤون الخارجية ووزير المال والاقتصاد السابق الذي اشتهر بالمكافآت الكبيرة التي منحها لنفسه، و نور الدين بنسودة، الخازن العام المغربي.
يُذكر أن أخنوش هو من النخبة وتجمعه علاقات وطيدة بالملك. واستنادًا إلى موقع وزارة الفلاحة والصيد البحري الإلكتروني، التي يتولاها أخنوش، هو عضو في المجلس البلدي لتافراوت والرئيس السابق لمجلس جهة سوس ماسة درعة. كما يشغل منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة "أكوا" القابضة، وهي اتحاد شركات مغربي يضمّ نحو خمسين شركة وتتأتى أرباحه من مجالات وقطاعات النفط والغاز والاتصالات والسياحة والفنادق والعقارات. إن أخنوش مدير "البنك المغربي للتجارة الخارجية" ومدير سابق في "بنك المغرب" وكذلك رئيس سابق لـ"تجمع النفطيين المغاربة". وتعود علاقات أخنوش بالمخزن إلى تسعينيات القرن الماضي. ففي 1999، كان عضوًا في "خلية التفكير"، وهي مركز بحوث يضمّ مستشارين ملكيين مستقبليين أسسه الملك الراحل حسن الثاني ويُعرف باسم "مجموعة 14" ويشمل أفرادًا شباب من عائلات النخبة الذين تولوا تحديث وإصلاح الاقتصاد المغربي.
وقد حدثت الكثير من التطورات في العائلة، حيث أن خنوش متزوج من سلوى إدريسي، الرئيس التنفيذي لمجموعة أكسال القابضة، وتمتلك حصص في مركز الدار البيضاء التجاري الذي يعتبر أحد المراكز التجارية الهامة. ويذكر ان أكسال قد أبرمت شراكة مع شركة "وصال كابيتال"، وهي عبارة عن شراكة بين الحكومة المغربية ودول الخليج، بما فيها المملكة العربية السعودية، لتقوم ببناء مركز تجاري آخر بالقرب من نهر بوريغريغ بالرباط.
وفي أواخر العام 2015، تورطت وزارة الفلاحة والصيد البحري إلى جانب "مخطط المغرب الأخضر" الذي تعتمده في فضيحة فساد شملت تلقي مسؤولين أو مفتشين رشاوي لتفادي عمليات التفتيش أو للتغاضي عن الانتهاكات. وقد أمر أخنوش بإجراء تحقيق شامل في هذا الخصوص. غير أنه من الصعب الحصول على النتائج أو كيفية فرض الغرامات، إذا فُرضت أساسًا. فلم يتمّ التبليغ بالكامل عن تفاصيل هذه الانتهاكات وبات المرء يتساءل ويشكّك في ما إذا كان أمن الغذاء والقوانين البيئية معرضة للخطر. باختصار، يقدّم أخنوش و"التجمع الوطني للأحرار" مقاربة مزاولة الأعمال كالعادة التي كانت قائمة قبل العام 2011 بدلًا من اللجوء إلى الإصلاح.
تجدر الملاحظة أن لإقالة بنكيران أهدافًا متعددة. فهي تُظهر بشكل ملموس سيطرة المخزن على الجمهور المحلي والدولي. كما تضع اللمسات الأخيرة على وضعه ككبش فداء لتدابير التقشف وتفسح المجال أمام ائتلاف داعم للأعمال قد يُظهر اهتمامًا أقل بحقوق الإنسان والبيئة.
غير أن مكاسب الائتلاف الجديد قد تفوق ما يتمناه. فتقويض العملية الديمقراطية ووجود حزب يُعتقد أنه متورط بالفساد ربما يؤدّي إلى مزيد من الاستياء، كذلك المحيط بحادثة مقتل الصياد محسن فكري المريعة، لا سيما في حال عدم تبلور الوظائف أو توزيع الوظائف بشكل منصف واستفادت النخبة فقط من توجّه الحكومة الجديد. وكان المغربيون قد نظموا احتجاجات في الشوارع عقب حادثة سحق شاحنة نفايات لفكري بشكل مروّع خلال تشرين الأول/أكتوبر 2016 حيث تمّ تداول مقاطع فيديو عن مقتله بشكل واسع عبر الإنترنت.
كما يمكن التعبير عن الاستياء بطريقة أخرى أكثر تخريبًا. فاستنادًا إلى مقال في مجلة "تيلكيل" صدر في تشرين الثاني/نوفمبر 2014 ودراسات أجرتها "مجموعة صوفان" في 2015 و"مرصد الشمال لحقوق الإنسان" في 2014، انضمّ آلاف المغربيين، لأسباب مالية حسبما تردّد، إلى مقاتلي "الدولة الإسلامية" في الشرق الأوسط، بمن فيهم بعض المغربيين من طنجة والحسيمة. وفي شباط/فبراير من هذا العام، نشرت "تلكيل" أيضًا مقالًا يصف تفكيك ما وُصفت بأنها خلايا إرهابية، بما في ذلك في الجديدة، التي تبعد حوالى أحد عشر ميلًا عن ميناء الجرف الأصفر ومخزن النفط والفوسفات الموجود فيه. وإذا ما شجعت الحكومة المغربية عند أعلى مستوياتها المحسوبية وتقويض العملية الديمقراطية، عندها قد تتزعزع إلى حدّ كبير قاعدة البحث عن حقوق وكرامة الإنسان التي تقوم عليها الحكومة.