تحالف الحاخامات في البلدان الإسلامية: قمة المجتمعات اليهودية القديمة والجديدة
بالنظر إلى القمة الأولى للحاخامات في البلدان الإسلامية، تظهر منافع التعاون بين المجتمعات واضحة.
يعيش خمسة وتسعون في المئة من يهود العالم في تسعة بلدان فحسب، أي أقل من عشرة في المئة من دول العالم. ومع ذلك، تنشط المجتمعات اليهودية في معظم البلدان المتبقية البالغ عددها 186، وهي تشمل أكثر من مئة ألف يهودي يعيشون في البلدان ذات الأغلبية المسلمة.
من خلال توفير قيادة مجتمعية ودينية، أدى الحاخامات دورًا في البلدان الإسلامية منذ قرون. فتحديدًا بسبب مكانتهم غير السياسية، سجّل التاريخ عدة حالات طلب فيها الملوك والوزراء مشورتهم للمساعدة في تخفيف حدة بعض القضايا الحساسة ذات الأهمية الدولية.
بصفتنا حاخامات الطائفة اليوم، نرى أنفسنا مستمرين في هذا التقليد النبيل للحاخامات كصانعي سلام. فيقدّم الحاخامات المتفانون تضحيات شخصية هائلة من أجل خدمة جماعاتهم. وفي معظم الأحيان، يقوم الحاخامات بأكثر من مجرد تمكين أفراد الطائفة من أجل الحفاظ على إيمانهم وارتباطهم. فيتمتع الحاخامات بموقع فريد للتفاعل مع الحكومات المضيفة على أعلى المستويات، من أجل تنشئة بيئة ملائمة يمكن أن تزدهر فيها الحياة اليهودية، ويمكن أن يزورها آلاف اليهود في جو ترحيبي وآمن. وعبر القيام بذلك، يتمتع الحاخامات المحليون أيضًا بدور فريد في تعزيز السلام والأخوة العالمية. فكما يعلّم التلمود [في رسالة "بيراخوت" 64 أ]: "الحاخامات يزيدون السلام في العالم".
فيما لم يخلُ دمج الحياة اليهودية في العالم المسلم من التحديات، شكّل اليهود وما زالوا يشكلون جزءًا لا يتجزأ من العالم الإسلامي. ففي الواقع، يتفاجأ الكثير من الناس عندما يعلمون أن اليهود لا يتواجدون فحسب في معظم الدول الإسلامية، بل يستضيف عدد من هذه الدول جالية يهودية نشطة جدًا. وعلى سبيل المثال، أحد أكبر المجتمعات اليهودية هو مجتمع الأشكناز في أذربيجان. ويتألف هذا المجتمع، برئاسة كبير الحاخامات سيغال، من يهود انتقلوا إلى المنطقة في خلال الحكم الروسي، منضمين إلى مجتمع "يهود الجبل" الأصلي في أذربيجان الذي كان يعيش في المنطقة منذ ألفَي عام.
علاوة على ذلك، تتمتع هذه المجتمعات بمجموعة ملحوظة من التنوع - بدءًا من اليهود في البلدان المسلمة الذين يمثلون بقايا مجتمعات عمرها قرون أو حتى آلاف السنين - مثل مجتمعات إيران وتركيا والمغرب وتونس، إلى الدول المسلمة ما بعد الشيوعية في كازاخستان وأذربيجان وغيرها، التي لا تزال تتفاخر بأكبر مجتمعات يهودية في العالم المسلم. أما المجتمعات الأخرى، مثل مجتمعات أبو ظبي ودبي في الإمارات العربية المتحدة، فهي في طور التوسع عقب توقيع "اتفاقيات أبراهام". وفي الوقت نفسه، يجد بعض اليهود أنفسهم في أماكن أبعد لأسباب شخصية أو مهنية متنوعة.
من أجل دعم هذه المجتمعات المتنوعة، تم تأسيس "تحالف الحاخامات في البلدان الإسلامية" في عام 2019 لربط وتطوير أنشطة حاخامات السفارديم، الذين عاش أسلاف أفراد مجتمعاتهم في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وإسبانيا؛ وحاخامات الأشكناز الذين يمثلون مَن عاش أسلافهم في أوروبا الوسطى والشرقية؛ وحاخامات حاباد، وهم أعضاء في حركة تعمل على دعم الحياة الدينية اليهودية وتعزيزها عالميًا؛ وحاخامات الطوائف الذين يخدمون الجاليات اليهودية في البلدان الأعضاء في "منظمة التعاون الإسلامي".
في الوقت الحاضر، تتألف الشبكة من الحاخامات الذين يعيشون ويعملون في دول مثل ألبانيا وأذربيجان ومصر والمغرب وتركيا وتونس وإيران وكازاخستان وكوسوفو وقرغيزستان والإمارات العربية المتحدة وأوغندا وأوزبكستان ونيجيريا، وكذلك من الحاخامات الذين يخدمون في مجتمعات مناطق أخرى ذات أغلبية مسلمة، مثل شمال قبرص وتتارستان وباشكورتوستان. وعلى غراري، تتضمن شبكتنا مقيمين دائمين في البلدان التي نخدمها. فندعم الحياة اليهودية المحلية والزوار في كافة احتياجاتهم اليهودية، بينما نقود أيضًا مبادرات من أجل مكافحة رهاب الإسلام ومعاداة السامية. وكصوت موحد، نقدّم نموذجًا قويًا للاحترام المتبادل والسعي إلى الاحترام بين الأديان، من خلال تشجيع الحوار والتسامح الديني والممارسة. ومن نيجيريا إلى تركيا، ينخرط الحاخامات عبر شبكة "تحالف الحاخامات في البلدان الإسلامية" في جهود ترمي إلى تقوية العلاقات مع قادة الدين الإسلامي، بينما ينظّمون بنشاط مبادرات رعائية للسكان الأمسّ حاجة من عامة الناس في خلال شهر رمضان وفترات الأعياد الإسلامية الأخرى.
كحاخام لمجتمع الأشكناز في تركيا ورئيس منتخب لـ"تحالف الحاخامات في البلدان الإسلامية"، كنت فخورًا باستضافتي مؤخرًا القمة الأولى لهذا التحالف، التي عُقدت في اسطنبول تحت رعاية حاخام باشا الحاخام الأكبر هاليفا في تركيا. فقدّمت القمة فرصة فريدة للحاخامات من أجل التواصل والتعلم من تجارب بعضهم البعض – مع المساعدة في "تطبيع" الحياة اليهودية في العالم الإسلامي. وكانت أيضًا المرة الأولى في التاريخ التي تفاعلت فيها مناصب حاخامية رفيعة المستوى في المنطقة؛ فشكلت هذه القمة اجتماعًا افتتاحيًا للحاخام الأكبر جيرامي في إيران، والحاخام الأكبر كوهين في كازاخستان، والحاخام ميروف من مجتمع "يهود الجبل" في باكو.
كانت القمة فرصة حتى يستلهم الحاخامات الحاضرون من تجربة الحاخام حطاب التونسي، ويحصلوا على نسخة موقعة من كتاب الحاخام المصري أفراهام ديان حول آخر حاخامات مصر، ويتعلموا من الحاخام رابين - كبير حاخامات يهود بخارى في أوزبكستان - الذي تناول مسائل من القانون اليهودي متعلقة بالهوية اليهودية في حالات الزواج والطلاق.
تعلّم الحاخامات أيضًا من الحاخام الروسي الأكبر لازار – وهو ضيف شرف في القمة، والحاخام الأكبر ريشمان من جمهورية قرغيزستان، والحاخام سايديان من أصفهان. واستعراضًا للصلة الروحية التي تعود إلى قرون مع تركيا، صلى المشاركون في كنيس "إتس أهايم" في أورطة كوي مع الحاخامات المحليين هاليفا وبيريس وألوف وسيفي وجرسون.
وكانت ذروة هذا التجمع التاريخي هي دعوة إلى لقاء مع الرئيس التركي أردوغان في القصر الرئاسي في أنقرة - أكد الرئيس في خلاله أن معاداة السامية، تمامًا مثل كراهية الإسلام، هي جريمة ضد الإنسانية ومخالِفة للقانون التركي. أما الاستقبال الحار، والطعام الكوشر الذي تم تقديمه، وصلوات المساء اليهودية في القصر، فكانت كلها بمثابة تأكيد قوي على أمر واحد هو: أن اليهود مرحب بهم مع ممارساتهم، وهم ببساطة جزء من النسيج الاجتماعي للعالم الإسلامي.
بينما نفكر في هذه القمة التاريخية الافتتاحية، ونشرع في التخطيط للقمة الثانية، أصبحت منافع التعاون بين المجتمعات أوضح بعد، سواء في مجال تعليم الشباب، أو مشاركة الممارسات الفضلى بين الحاخامات، أو تشكيل مشاريع للحفاظ على مواقع التراث اليهودي. ويتوقع حاخامات "تحالف الحاخامات في البلدان الإسلامية" نموًا في الكثير من المجتمعات القائمة، بالإضافة إلى ظهور مجتمعات يهودية جديدة في مختلف البلدان ذات الأغلبية المسلمة، إذ يبحث اليهود عن دول تحمي الممارسة الدينية، وتؤدي العوامل الاقتصادية المتطورة إلى مزيد من السفر والهجرة. وخارجيًا، يوفر ذلك فرصة من أجل تعزيز الحوار والتعاون بين الأديان – مع تحقيق فوائد استراتيجية للمجتمعات اليهودية والمسلمة المحلية، ولإسرائيل، ويهود العالم والإنسانية. وفي المقابل، سيتطلب ذلك إعادة التفكير في نظرة الكثيرين إلى العالم اليهودي، وتخصيص الموارد المالية، وتوظيف المواهب الحاخامية الإضافية.