- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تعليق توماس باركر على مقالة ديفيد بولوك بعنوان: "إيران وإسرائيل وسوريا والولايات المتحدة: وجهات نظر من الصين"
ذكّرتني المقالة المتمعّنة التي كتبها ديفيد بولوك عن وجهات النظر الصينية حول الشرق الأوسط بالمناقشات الدورية التي عقدتُها على مرّ السنين مع المسؤولين الصينيين حول الموضوع نفسه.
تتبنى الصين بشكل عام موقفٌ سلبي تجاه الدور الأمريكي في المنطقة – مع أن نظرة بكين تتفاوت أحيانًا فيما تتسم بين الفينة والأخرى بإيجابية تامة.
فلماذا تطغى هذه السلبية على النظرة الصينية؟ أولاً، لا يروق للصين أن تستخدم الولايات المتحدة القوة العسكرية في الشرق الأوسط لأن حكومة بكين تستاء من الهيمنة العسكرية الأمريكية على المستوى الدولي، وخصوصًا في آسيا الشرقية حيث تقيّد التحركات الصينية تجاه تايوان وبحرَي الصين الجنوبي والشرقي.
وقد تجلّت هذه النظرة السلبية في برنامج تلفزيوني حول دور الولايات في سوريا كنتُ قد شاهدتُه على محطة صينية في أيار/مايو الماضي. وكان هذا البرنامج حافلاً بعدد ضخم ونوعًا ما مهول من عناصر الجيش الأمريكي المتأهبين بأحدث عتاد المعارك على لحن موسيقى توحي بالتهديد. وللوهلة الأولى، حسبتني أشاهد نسخةً صينيةً عن أحد أفلام "ستار وورز" القديمة. ولم يأتِ البرنامج على ذكر حقيقة أن القوات التابعة لروسيا وإيران و"حزب الله" في سوريا تفوق أعداد القوات الأمريكية هناك بأشواط.
وكان اثنان من الخبراء الصينيين المنتمين إلى أحد مراكز الأبحاث يعلّقان على تلك الصور القاتمة، بحيث عرض الأول ملاحظات موضوعية نوعًا ما، مشيرًا إلى أن الرئيس ترامب يريد فرض "الخطوط الحمراء" بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية بخلاف الرئيس أوباما الذي لم يفِ بالوعد الذي قطعه عام 2013. أما المعلّق الثاني فطرح تصويرًا كاريكاتوريًا ماركسيًا عن السياسة الخارجية الأمريكية عبر الاستشهاد بـ "المجمّع العسكري-الصناعي" - بما فيه الشركات التي استفادت من الإنفاق على الصواريخ الموجهة الأمريكية – باعتباره المحرّك وراء السياسة الأمريكية. وإن كان لكلا المعلّقين منظار سلبي، فقد كان لأحدهما مقاربة أكثر تنميقًا من الآخر.
أما السبب الثاني وراء نظرة الصين المتّسمة إلى حد كبير بالسلبية تجاه السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، فهو اعتقاد بكين بأن واشنطن تعتمد في غالب الأحيان سياسيات ذات نتائج عكسية – حتى على حساب مصالحها الخاصة، فما بالك بنتائجها على مصالح الصين. إذ يرى المسؤولون الصينيون أن التدخلات العسكرية الأمريكية في العراق وليبيا أطلقت شرارة حروب أهلية فوضاوية. ففي حالة ليبيا مثلاً، اضطرّت الصين إلى سحب الآلاف من العمال الصينيين الذين كانوا يعملون على مشاريع بنى تحتية ضخمة في البلاد. كما أن الصين لم تؤيّد محاولة إوباما الإطاحة بالرئيس المصري مبارك، والواقع أن الصين تفضّل الديكتاتوريين المستبدين أمثال الأسد وصدام والقذافي على الغموض والفوضى المحتملة اللذين تنطوي عليهما الانتخابات الديمقراطية.
وجهات النظر الصينية قد تكون معقدةً
عارضت بكين التدخل الأمريكي في العراق عام 2003 نظرًا لاعتراضها العام على استخدام الولايات المتحدة لقوتها العسكرية. ولكنها استنتجت في النهاية أن هذا التدخل صبّ في خدمة المصالح الصينية، كونه صرف انتباه واشنطن عن آسيا الشرقية وحوّله نحو الشرق الأوسط، وكونه أيضًا حثّ الرأي العام الأمريكي على تبنّي موقف سلمي من مسألة استخدام القوة العسكرية بشكل عام.
حتى أن الصين تعتبر أنه للولايات المتحدة في بعض الأحيان دورٌ إيجابي في الشرق الأوسط. فهي تقرّ بضرورة أن تهزم الولايات المتحدة تنظيم "داعش" في العراق وسوريا – مع أن بكين تعتبر أن واشنطن هي التي أوجدت هذه الفوضى في المقام الأول. ويقر المسؤولون الصينيون أيضًا بأن تدخل الرئيس جورج بوش الأب في حرب الخليج الأولى ودبلوماسية الرئيس نيكسون "العادلة" في حرب عام 1973 بين العرب والإسرائيليين جاءا في خدمة الاستقرار والمصالح الصينية. ومع ذلك، فإن الصين، وعلى نحو مدهش، أعلنت عن دعمها لحرب الخليج الأولى فقط بعد أن أدركت أنها تسير على ما يرام. وليست هذه النظرة من قبل بكين بشأن هذين الاستثناءين، بالمستغربة، بما أن بكين تكنّ أشد الاحترام للرئيسين نيكسون وجورج بوش الأب، بخلاف موقفها من الرؤساء الذين خلفوهما.
فضلاً عن ذلك، تدرك الصين أن للولايات المتحدة وللصين مصالح متماثلة في السعي إلى اعتدال أسعار النفط في الشرق الأوسط. ولا تجد بكين أي مشكلة في العلاقات الودية التي تجمع الولايات المتحدة بدول الخليج، كما أنها لا تستاء إذا سعت الولايات المتحدة إلى قيادة الأعمال العسكرية الإسرائيلية ضد سوريا وإيران مثلاً، الأمر الذي تعتبره بكين بشكل عام مخلًّا بالاستقرار (لو كان مفهومًا). ولدى الصين المخاوف الأمريكية والإسرائيلية نفسها إزاء التوغل الإيراني في الشرق الأوسط، لكنها لا تستطيع التصرف حيال الوضع خصوصًا وأن إيران تؤمّن نحو سبعة في المئة من واردات النفط الصينية.
وباختصار، تنظر الصين إلى دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بعيونٍ حذرة، فهي تمقت القوة العسكرية الأمريكية بالمبدأ وتعتبر في بعض الأحيان أن هذه القوة تُستخدم بتهوّر. ولو كانت بكين ترغب في أن يكون للولايات المتحدة دور أصغر في المنطقة، فهي تقرّ بأن الولايات المتحدة تؤدي أحيانًا دورًا مفيدًا هناك، لا سيما إذا استخدمت واشنطن قوتها بحذرٍ أكبر. فإن هدف الصين الأول في الشرق الأوسط هو الاستقرار، ثم الاستقرار، ثم الاستقرار.