- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
طعن دستوري بطريقة معاملة العراق لليهود العراقيين
بصفتي محامٍ متخصص في الدفاع عن حقوق الأقليات والحرية الدينية والحقوق المدنية في العراق، وصلت إلى قناعة بأن توفير العدالة ليهود العراق مستحيل في ظل النظام القانوني الحالي السائد في العراق، إذ يجب أن يتضمن ذلك إعادة حقوقهم المسلوبة ضمن عراق ديمقراطي جديد.
واجه اليهود في دول عربية أخرى القدر نفسه من الظلم الذي تم ممارسته تحت راية "العروبة" والمدفوع بمشاعر معادية للسامية، في محاولة للانتقام من إسرائيل. وفي العراق، أدّت هذه المساعي إلى تهجير الجزء الأكبر من اليهود العراقيين البالغ عددهم 160 ألف نسمة. اليوم، يحاول يهود العراق استعادة جنسيهم والممتلكات التي تم الاستيلاء عليها من قبل الحكومة، لكن القوانين التمييزية القائمة منذ عقود ما زالت تقف حائلا في طريقهم. وما حدث هو جرائم ضد الإنسانية غير قانونية بالمعيار الدولي وقد حظرتها المنظمات الدولية بموجب الميثاق التأسيسي للأمم المتحدة و"مجلس الأمن الدولي".
وفي الوقت الراهن، أعمل على تمثيل قضايا اليهود العراقيين الساعين للحصول على تمثيل عادل بموجب القانون. وانا أؤدي هذا العمل بدون مقابل مدفوعًا بواجبي تجاه بلدي، وحتمًا لن أكشف عن أسماء اليهود العراقيين الذين سمحوا لي بالدفاع عنهم أمام القضاء العراقي المسيّس حفاظًا على خصوصيتهم.
غير أن القوانين العراقية تعكس بوضوح الوضع العام. فهذه القوانين غير الإنسانية التي جرى سنّها مطلع خمسينيات القرن الماضي تهدف إلى تشريع أفعال الحكومة العراقية التي كانت تطرد آنذاك اليهود العراقيين، وتنهب مقتنياتهم وتجردهم من الجنسية العراقية.
وتعود القوانين الجائرة التي تمّ بموجبها نزع الجنسية العراقية من اليهود العراقيين إلى حقبة المملكة العراقية الهاشمية، وهي القانون رقم (1) لعام 1950 والقانون رقم (12) لعام 1951. فعندما دخل هذان القانونان حيز التنفيذ، تمّ إرسال اليهود قسرًا إلى المنفى، وسُرقت ممتلكاتهم وأموالهم كشكل إضافي من العقاب. وما يثير القلق هو واقع أن مفعول هذين التشريعين لا يزال ساريًا لغاية يومنا هذا، بالرغم من التغيير السياسي الذي شهده العراق عام 2003، ورغم وضع دستور عراقي جديد في 2005 – الذي كنا تأملنا نوعًا ما في أن يحدث تغييرات بالنسبة لليهود العراقيين في ظل عراق ديمقراطي وفدرالي ومتعدد الثقافات.
تجدر الملاحظة أن أولئك الذين يسمّون أنفسهم قادة العراق الحاليين، يزعمون أن الدستور الجديد يحترم كافة الأديان ويقدّر التعددية الثقافية ويدعم حقوق الأقليات الدينية ويعتبر جميع العراقيين متساويين بموجب القانون.
مع ذلك، لم يلغِ الدستور الحالي القانونين الجائرين اللذين يتناقضان في الواقع مع الفقرة الثالثة من المادة 18، الجزء أ من دستور العراق الحالي الذي ينص على ما يلي: "لا يجوز إسقاط الجنسية عن العراقي بالولادة لأي سبب من الأسباب، ويحق لمن أسقطت عنه طلب استعادتها وينظم ذلك بقانون". كما ينص الدستور على أنه يعدّ عراقيًا كل من ولد لأب عراقي أو لأم عراقية، ويحق لكل عراقي خسر جنسيته لأسباب سياسية أو عرقية أو طائفية المطالبة باستعادتها.
هذا ويعدّ القانونان المذكوران انتهاكًا لقانون الجنسية العراقي رقم (26) لعام 2006 الذي يؤكد ما ورد أعلاه، ويضمن حق استعادة الجنسية لكافة الذين فقدوها للأسباب المذكورة أعلاه. لكن هذا القانون استثنى اليهود العراقيين – الذين كان يجب إدراجهم كسائر العراقيين. ومن الملفت عدم إلغاء قانونيْ عامي 1950 و1951 بخلاف القوانين الأخرى التي تمّ تعديلها لتتماشى مع المادة 18 من دستور 2005. غير أن العراق الجديد لا يضمن العدالة لليهود العراقيين في انتهاك واضح وصريح للدستور.
أما بالنسبة لمسألة الممتلكات والثروات التي صادرتها الحكومة قسرًا وكانت استولت عليها الحكومة العراقية والميليشيات والأحزاب التابعة لإيران، تفيد المادة 23 من الدستور الجديد أن "الملكية الخاصة مصونة ويحق للمالك الانتفاع بها واستغلالها والتصرف بها في حدود القانون". كذلك، تؤكد الفقرتان (أ) و (ج) من المادة 2 على أنه لا يجوز سنّ قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية... [أو] الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور. وعلى نحو مماثل، تنص المادتان 3 و7 من الدستور على أنه يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية، أو الإرهاب، أو التكفير، أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له... ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق.
وأكثر ما يثير الدهشة هو أنه في حين يؤكد الدستور صراحةً على حرية المعتقد والممارسات الدينية للمسلمين والمسيحيين والأيزيديين والسبئيين والمندائيين، إلا أنه لا يشمل يهود العراق باعتبار اليهودية من الأديان الأساسية. وهذا مثال آخر على عدم المساواة القانونية والظلم الذي يواجهه يهود العراق. يُذكر أن إنكار الحقوق الدستورية كان سياسة عامة متبعة مع اليهود في المسائل المتعلقة بحقوقهم بالجنسية وغيرها.
ويحق للمتضررين من هذين القانونين رفع دعوى أمام المحكمة الإدارية التي يُفترض أن تكون مرتبطة بـ “مجلس القضاء الأعلى" العراقي ومنفصلة عن السلطة التنفيذية. غير أنه على أرض الواقع، ترتبط المحكمة الإدارية بالسلطة التنفيذية والحكومة باعتبارها أحد مفاصل وزارة العدل العراقية بخلاف كافة المحاكم العراقية الأخرى التي ترتبط بـ “مجلس القضاء الأعلى" بموجب الدستور العراقي. وتعمل معظم المحاكم وفق مبدأ فصل السلطات – في حين تشكل المحكمة الإدارية السلطة القضائية وتمثل المدعى عليهم في الوقت نفسه. وما يفاقم هذا الوضع هو أن الوزارتين المعنيتين هما وزارة المالية والداخلية، اللتين تطبقان قانون الجنسية وبالتالي تقيّمان الشكاوى والمظالم المقدمة ضد وزير الداخلية. وعليه، من المنطقي استنتاج أن هذه المحكمة منحازة لصالح تفضيل قرارات هذه الوزارة تحديدًا بسبب ارتباطها بالحكومة من دون الاكتراث لمصالح المتضررين. وقد فقد العديد من المحامين العراقيين الأمل بإحلال الحق وتطبيق مبادئ العدالة في هذه المحكمة المسيّسة.
وليس واضحًا سبب اعتقاد النظام القانوني العراقي بأن الاستماع إلى قضايا ترتبط بالتمييز واستئناف قرارات المحكمة الإدارية هو من اختصاص المحكمة الإدارية والمحكمة الإدارية العليا، علمًا بأن قرارات المحكمة الإدارية ملزمة لكافة الأطراف المعنية وهي مرتبطة بالسلطة التنفيذية (الحكومة).
وبالعودة إلى نص الدستور، من الواضح أن علاقة المحكمة الإدارية بالسلطة التنفيذية تفتقر إلى الشرعية. فالمادة 19 من الدستور العراقي تنص على أن القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون. ولا يحق لأي سلطة التدخل بالقضاء وبالشؤون القضائية. وبالتالي، يتعرض أي محام يحاول أن يثق بيهود العراق ويدافع عنهم أمام هاتين المحكمتين الخاضعتين للدولة للابتزاز والتهريب؛ وعندما يكون الخصم في الوقت نفسه القاضي، لا يمكن للمحامين الدفاع بحرية عن موكليهم، فتبقى القضايا معلقة في المحكمة بسبب خوف المحامين من متابعتها.
ويمتد هذا الوضع حتى ليشمل رئيس العراق لأنه لم يطبق بعض أجزاء الدستور كما هو وارد أعلاه. فكل من رئيس "مجلس القضاء الأعلى" ورئيس المحكمة الاتحادية ورئيس مجلس النواب والنواب يتحملون مسؤولية الصمت عن الانتهاكات القانونية والدستورية بحق يهود العراق.
وفي ظل غياب الخيارات القانونية المتاحة ضمن النظام القانوني العراقي، يجب أن تصبح حقوق يهود العراق قضية عالمية تتبناها المحاكم والمنظمات الدولية، بحيث يتمّ اتخاذ موقف دولي في وجه الحكومة العراقية قد يرغمها على إحقاق العدالة للطائفة اليهودية العراقية المحترمة، وإعادة كافة حقوقها أسوةً بكافة طوائف الشعب العراقي.
آمل أن تجذب هذه القضية اهتمام المنظمات الدولية والإنسانية وكذلك المجتمع الدولي. أخيرًا، أدعو إلى إبرام اتفاقية سلام بين العراق وإسرائيل، والتي من شانها أن تؤدي إلى إلغاء القوانين الجائرة بحق يهود العراق، وبالتالي سيتمكن يهود العراق من العودة إلى بلادهم (العراق) واستعادة جنسيتهم وحقوقهم وممتلكاتهم.