- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تنظيم البوركيني: القاسم المشترك بين السعودية وفرنسا
انتشرت على نطاق واسع صورةٌ التُقطت لسيدة مسلمة تنزع عنها طبقة من ملابسها بينما كانت عناصر من الشرطة الفرنسية تقف لها بالمرصاد على شاطئ "بروميناد ديزانغليه" في مدينة نيس حيث تسبب الهجوم المنفّذ في يوم العيد الوطني الفرنسي في تموز/يوليو بمقتل 85 شخصاً. وجاءت تلك الصورة لتفضح المفارقة في هذه البلاد التي تصنّف نفسها بالجمهورية "العلمانية" حيث يفترض أن يتمتع جميع الناس بحريتهم الشخصية. ولم يتوانَ رواد الشاطئ الآخرون عن تأييد أعمال رجال الشرطة مطلقين العنان لكرههم للإسلام في وجه تلك المرأة وطالبين منها "العودة إلى البلد الذي أتت منه".
وعلى الرغم من الحكم الذي صدر عن المحكمة الإدارية العليا في فرنسا الأسبوع الماضي بتعليق الحظر المذكور باعتباره "ينتهك الحريات الأساسية بشكل جاد ويفتقر بوضوح إلى الشرعية"، لا تزال القضية محل نقاش شديد بين المعلّقين اليساريين واليمينيين المتطرفين. فالسلطات في كلّ من نيس وفريجوس وبلدة سيسكو في جزيرة كورسيكا تصدت لقرار التعليق الصادر عن المحكمة وتعهدت بالإبقاء على الحظر. بيد أنّ أي قانون يحظر ارتداء بزة السباحة التي تغطي كامل الجسم والمعروفة بالبوركيني في فرنسا سيؤجج التوتر بين المجتمعات المحلية في وقتٍ "تحتاج فيه فرنسا إلى الشفاء وإلى التقارب بين الناس، لا إلى فوراتٍ مسببة للانقسام من قبل المتنافسين في الانتخابات الأولية"، كما قال وزير الداخلية الفرنسي بيرنار كازنوف.
ومن حيث المبدأ، يبدو أن حظر البوركيني في فرنسا يعكس أعمال شرطة الآداب في العديد من دول العالم الإسلامي، بما في ذلك "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في المملكة العربية السعودية أو "قوات إنفاذ القانون" في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فكلتا هاتين القوتين النظاميتين تفرض على النساء تستير كامل أجسادهن موجّهةً التهمة نفسها التي يستخدمها المدافعون المزعومون عن العلمانية في فرنسا، وهي في الحالة الأخيرة "عدم ارتداء ملابس تحترم الآداب والعلمانية" وفقاً لما جاء في ضبط المخالفة الذي حررته الشرطة الفرنسية. أما في المملكة العربية السعودية، فما عليك سوى أن تستبدل كلمة "العلمانية" بـ "الشريعة الإسلامية".
دائماً ما تُبرَّر القيود من الجانبين بمبادئ الشريعة أو العلمانية. ومع ذلك، فإن هذه القيود قلّما تمت بصلةٍ بقيم أيٍّ من الاثنتين، بل هي تخدم بشكل أو بآخر مصالح تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») كونها تؤجج شعور الكراهية تجاه الإسلام. إن كلتا القوتين بنوعيهما تحوّل النساء إلى ضحايا وتعتبرهن أغراضاً بدلاً من كائنات بشرية يحق لها اختيار ما تشاءه من ملبس.
لقد أفادت وسائل الإعلام الغربية أن السلطات في 30 بلدة فرنسية أقدمت على تطبيق الحظر على البوركيني بسبب المخاوف من التعبيرات الدينية في أعقاب الهجمات الإرهابية الأخيرة. إلا أن هذا الحظر يولّد في الواقع مشاعر معادية للعلمانية لدى الأقليات في الغرب على غرار المشاعر المعادية للإسلام التي تثيرها شرطة الآداب السعودية والإيرانية.
وفي الوقت نفسه، لم يكن من المفاجئ أن تقع الاعتداءات التي اعتبرت هجمات فردية في فرنسا، على أيدي مسلمين نشأوا وترعرعوا في فرنسا وبلجيكا. فلم يكن باستطاعة تنظيم «الدولة الإسلامية» تجنيدهم لو لم يكن ما يسمى بنظام "العلمانية" في فرنسا قد منحهم حرية التعبير أو تصرّف كمدافع حقيقي عن الحرية في المجتمع الدولي.
لذلك، فإن شل حركة تنظيم «الدولة الإسلامية» لا يمكن أن يتحقق إلا بتعزيز الحرية على الصعيدين الشعبي والدولي. فهدف تنظيم «داعش» هو قمع هذه الحقوق الأساسية في العالم العربي وكذلك في الغرب من أجل تسهيل تجنيد العناصر لخدمة قضيته. وتقوم الحكومات المستبدة في العالم العربي بهذه المهمة بالنيابة عن تنظيم «الدولة الإسلامية» باستخدامها الدين، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية، أو القومية والوطنية كما هو الحال في مصر، وكل ذلك في خضم جو من الخوف. يجدر بالحكومات الدينية المتسلطة بدلاً من ذلك، أن تهيئ بيئة تسمح بإصلاحات دينية تدريجية تنبع من الأخلاقيات العامة بدلاً من تفسيرات النصوص الدينية على أساس المصلحة الخاصة.
وفي المقابل، يجب على الحكومات الغربية التخلي بدورها عن المعايير المزدوجة وبناء سياساتها على القيم العالمية بدلاً من المصالح الجيوسياسية. إن السعي وراء المصالح السياسية والاقتصادية الضيقة لا يتسبب إلا بإشعال الصراعات التي سوف تأتي بنتائج عكسية على الغرب بشكل أو بآخر.
ويؤدي الحظر الذي فرضته فرنسا باسم العلمانية إلى تأجيج التطرف "الديني" كونه يجرّد المرأة من حقها في السباحة، وهو تقييد يناسب المتطرفين الإسلاميين الذين يحرّمون على المرأة المسلمة السباحة في مكان عام. وبالتالي، فإنّ إشعال مسألة البوركيني يثير الشكوك حول رغبة السياسيين الفرنسيين في الحد من التطرف الإسلامي بشكل فعال ومدروس.
محمد منصور هو صحفي مصري مقيم في واشنطن. وقد نُشرت هذه المقالة في الأصل من على موقع "منتدى فكرة".
"منتدى فكرة"