- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تشكيل حكومة جديدة في العراق: سيناريوهات محتملة
على الرغم من أن الحكومة العراقية الجديدة قد أنهت حالة الانسداد السياسي التي دامت على مدار عام، إلا أن المسار للمضي قدماً لا يزال مليئًا بالعقبات.
استيقظ العراقيين صباح يوم 13 تشرين الأول /أكتوبر الجاري على أصوات 9 صواريخ كاتيوشا سقطت على المنطقة الخضراء قبيل انعقاد جلسة البرلمان العراقي المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية. ولا يبدو أن تلك الصواريخ كانت تعبيراً عن الفرح بالإنفراجة التي حصلت بعد سنة من آخر انتخابات، ففي الوقت الذي قطعت فيه القوات الأمنية كل الطرق المؤدية للمنطقة الخضراء لمنع من يريد الاحتجاج على هذه الجلسة، لكنها فشلت في منع الصواريخ من الوصول للخضراء والتعبير عن الاحتجاج الواضح على اختيار عبد اللطيف رشيد كرابع رئيس للجمهورية منذ أسقاط النظام السابق في 2003.
لقد شهد العراق أنسداداً سياسياً تاماً منذ قرار المحكمة الاتحادية الذي جعل لأول مرة نصاب انتخاب رئيس الجهورية ثلثي أعضاء البرلمان مما مكن الاطار التنسيقي وحلفاءه من تشكيل الثلث المعطل والذي نجح في منع التيار الصدري وحلفاءه(السنة والكورد) والذين يشكلون أغلبية البرلمان طبقاً لنتائج انتخابات 2021 من المضي في مشروعهم لتشكيل حكومة أغلبية سياسية كما جرت العادة خلال الدورات الخمسة السابقة. أدى ذلك القرار فضلاً عن رفض الصدريين الذين هم أكبر الفائزين في الانتخابات (73 مقعد) للتحالف مع قوى الإطار التنسيقي، بسبب أتهام الصدر لهم بالفساد وتحميلهم مسؤولية الفشل المتواصل الذي يعاني منه العراق.
أدى انسحاب الصدريين من مجلس النواب إلى إفساح المجال لقوى سياسية أخرى معظمها تابعة للإطار التنسيقي لتصبح هي القوة الأكبر وتمضي في تشكيل الحكومة. وقد نجحت تلك القوى السياسة في التوصل لاتفاق مع حلفاء الصدر القدامى من السنة والكورد أتاح لهم اختيار رشيد كرئيس للجمهورية. وبدوره، كلف رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني المحسوب على المالكي على الرغم من أنه استقال من حزب المالكي منذ مدة. بذلك عادت العملية السياسية في العراق إلى مسارها القديم رغم محاولة السيد الصدر تحويلها إلى مسار يرفض مبدأ التوافق السياسي.
استهدفت محاولة الصدر التي تم إجهاضها من قبل الإطار التنسيقي حصر مسؤولية تشكيل الحكومة بالقوى الحاصلة على أعلى الأصوات كما هي العادة في النظم الديموقراطية الصحيحة. لكن ذلك كان سيؤدي عملياً إلى نتيجتين مهمتين. الأولى هي فقدان كثير من الأحزاب والساسة المتنفذين لأي دور لهم في الحكومة مما يعني تقويض سلطتهم السياسية والعسكرية والمالية. أما الثاني فهو خسارة أيران لكثير من مصادر نفوذها السياسي في العراق حين يتم أقصاء حلفاءها المقربين من الحكومة، بخاصة وأن السيد الصدر أعلن منذ البداية أنه سيقف بالضد من أي نفوذ خارجي في العراق سواء كان أيراني أو أمريكي أو سواه. هذا فضلاً عن أن تشكيل حكومة الأغلبية سيكون سابقة تؤسس للحكومات القادمة التي ستعتمد مبدأ الفوز بالأغلبية لتسلم السلطة. ومن ثم، وتدرك القوى التي تمتلك رصيد شعبي ضئيل جداً، أنها لن تكون قادرة على الفوز في الانتخابات المستقبلية إذا كان هذا هو الحال.
بعد انسحاب التيار الصدري، ما زال الإطار التنسيقي غير قادرا على جمع نصاب الثلثين ما دفعه للتحالف مع حلفاء الصدر القدامى من السنة والكورد الذين استثمروا حاجة الإطار لهم، وقاموا برفع سقف طلباتهم نظير قبولهم للتحالف مع قوى الإطار وتشكيل الحكومة. إحدى تلك الطلبات تمثلت بإصرار السيد البارزاني على أقصاء برهم صالح (مرشح الاتحاد الوطني) من رئاسة الجمهورية واستبداله أما بمرشح من الديموقراطي الكوردستاني أو مرشح آخر من الاتحاد الوطني.
وبالمثل، استجاب الإطار التنسيقي للعديد من المطالب الكردية والسنية التي كانوا لا يوافقون عليها سابقاً بخاصة في موضوع النفط والغاز، والمادة 140 من الدستور - التي نصت على استفتاء وضع كركوك، وإلغاء آليات اجتثاث البعثيين التي كان يُجري استثمارها ضد السنة.
مع ذلك فأنه حتى بعد أن تم تعيين رئيس الجمهورية وتكليف مرشح لرئاسة الوزراء فأن السؤال الكبير يدور حول ردود أفعال طرفين رئيسين في المعادلة السياسية كان كلاهما معارض لترشيح السيد السوداني لرئاسة الوزراء هما السيد الصدر وشباب تشرين.
تبدو قوى تشرين التي أجبرت رئيس الوزراء السابق عبد المهدي على الاستقالة، والبرلمان السابق على تغيير قانون الانتخابات ومفوضيته وأجراء انتخابات مبكرة، أنها فقدت كثير من زخمها وقوتها بسبب ما تعرضت له من قبل الميليشيات والقوى المحسوبة على أيران من حملة تصفيات واسعة وتشويه واسعة للناشطين. كما أدت النزاعات الفكرية والقيادية بين الناشطين واصطدامهم مع الصدريين في مرحلة من مراحل انتفاضتهم إلى تشتيت تلك القوى وفقدانها للزخم والشروط المطلوبة لاستمرارها. هذا فضلاً عن عدم أيفاء حكومة الكاظمي بوعودها، بل وعملت على إرضاء الأحزاب المسلحة المعارضة لتشرين والتي كان الكاظمي يأمل منها الرضا عنه وإبقاءه لدورة قادمة. هذا فضلاً عن عدم رغبة الكاظمي بقيام التشرينيية بأثارة مشاكل لحكومته عندما يتظاهرون ضد الفساد والظلم وسوء الخدمات وفقدان السيادة.
ومع أن تشرين فقدت كثير من زخمها لكنها لا زالت فكرة جامحة في عقول معظم العراقيين بخاصة الشباب منهم كما أنها تمثل قصة نجاح لم يألفوه تحقق في 2019-2020 ولا تزال عالقة في ذاكرة وخيال العراقيين العاديين ويخشاها قادة الأحزاب المشاركة في السلطة. وعلى الرغم من أن حجم الذين خرجوا لأحياء الذكرى الثالثة لتشرين قبل أيام كانت أقل من المتوقع، الا أن هناك دعوات جادة واحتمالات حقيقية لخروج مزيد من الأعداد يوم 25 من هذا الشهر. ويأتي اختيار السوداني الذي سبق ورشحته القوى القريبة من أيران أبان ثورة تشرين كبديل عن عادل عبد المهدي ورفضته ساحات تشرين لقربه من المالكي، ليمثل تحدياً لإرادة تشرين. لذا، يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الأحداث ستدفع الشباب في بغداد وجنوب العراق إلى مزيد من الاحتجاج ضد النظام.
أما من جهة الصدر، فيمثل ترشيح السوداني تحدياً شخصياً له ولتياره الشعبي الواسع. وعلى خطى حركة تشرين، سبق وان عارض الصدر نفسه ترشيح السوداني، فقبل عدة أشهر، نشر الناطق بأسم الصدر على مواقع التواصل الاجتماعي تغريدةً يسخر فيها من ترشيح السوداني للمنصب ملمحاً لقربه من السيد المالكي والذي يعده الصدر خصمه السياسي الرئيس. لكن السؤال الذي يود الجميع معرفة جوابه الآن، ماذا سيكون رد الصدر على هذا الترشيح؟ هناك ثلاث سيناريوهات تبدو محتملة، الأول، هو سكوت الصدر عن هذا الترشيح لكي يمضي السوداني بتشكيل حكومته ثم يبدأ الصدر بحشد أنصاره بعد إعطاء السوداني مهلة (لن تتجاوز بضعة أشهر) لاكتشاف مدى نجاحه، فإذا فشل حسب تقييم السيد، فأنه سيثير الشارع لأسقاطه.
ويبدو سكوت الصدر للآن على ترشيح السوداني، وبعكس ما توقعه الكثير من المراقبين، مرجّحاً لهذا السيناريو. غير أن المشاكل المتوقعة عند بدء عمليات اختيار الكابينة الوزارية، واستفزازات قوى الإطار للصدر قد تجعل سيناريو سكوت الصدر لمدة أطول ضعيف الاحتمال. أضافة إلى أن الصدر قد يجد أن الفرصة مؤاتية الآن قبل سيطرة قوى الإطار على أجهزة الدولة وبخاصة الأمنية منها والتي ستنحاز حينها ضد أي حركة شعبية سلمية احتجاجية. وبالطبع، قد يؤدى هذا السيناريو أيضًا إلى حدوث انشقاق سياسي داخل المعسكر الصدري.
يتمثل السيناريو الثاني في نجاح الوساطات التي تجري من قبل بعض قوى الإطار لإرضاء الصدر سواء من خلال منحه حقائب وزارية أو إعطاءه ضمانات بانتخابات قادمة مبكرة أو حتى منحه حق الفيتو على مرشحي الأخطار للمناصب الوزارية. لا تبدو احتمالات هذا السيناريو قوية في ظل ما قاله الصدر شخصياً، وما ذكره لي مقربين منه بأنه حسم قراره بعدم التفاوض مع قوى الإطار الا علناً وتحت نظر وسمع كل العراقيين. وفي مثالٍ على ذلك، غرد الناطق بأسم الصدر على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام بأن الصدر لن يسمح لأي من أنصاره بالانضمام إلى الحكومة الجديدة.
يبقى السيناريو الثالث الذي أراه أكثر ترجيحاً، ويتمثل في استثمار الصدر لمناسبة قريبة، مثل الذكرى الثالثة لتصاعد ثورة تشرين يوم 25 الجاري، أو ربما استثمار أي حدث آخر قريب للانطلاق باحتجاجات شعبية قد تجهض تشكيل الحكومة قبل ولادتها. هذا السيناريو يمكن أن تعززه المعلومات الراشحة عن وجود محادثات تهدف لتأسيس تفاهمات بين قيادات تشرينية وبين الصدريين يتم بعدها توحيد الجهود وحشد القوى لانتفاضة شعبية كبرى تطيح بالنظام.
وإذا نجح التحالف الشعبي بين الصدريين وبين قوى تشرين فلا شك أن الانشقاقات داخل قوى الإطار التنسيقي والتي ظهرت للعلن عند انتخاب رئيس الجمهورية ستزداد، وسيكون هناك موقفين الأول للحمائم داخل الإطار (كالسيد العبادي) ممن سيصرون على استرضاء سيد مقتدى وعدم المضي بتشكيل الحكومة. والآخر يضم(صقور) الإطار ممن سيلجأون غالباً لاستخدام ميليشياتهم من جديد كما فعلت سابقاً لمواجهة الانتفاضة. حينها ستعود احتمالات الفوضى المسلحة مالم تتمكن القوى السياسية والدينية ممثلة بآية الله السيستاني بضبط سلاح اللادولة المنتشر بيد الجميع. في كل الأحوال فأن أمام الحكومة الجديدة (حتى لو تشكلت ومضت في واجباتها) حقول وليس حقل ألغام واحد، يجعل من مهمة السيد السوداني أشبه بالمهمة المستحيلة، فهل سيكون السيد السوداني توم كروز العراق وينهي هذه المهمة المستحيلة؟؟ المؤكد أنه لن يطول انتظارنا قبل معرفة الجواب.