- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تعثر جهود عُمان التيسيرية مع الحوثيين
بينما تتوسط قطر مع حركة "حماس" بشأن غزة، يبدو أن جهود التيسير التي تبذلها عُمان مع الحوثيين معلّقة، بانتظار الاعتراف بالحاجة إلى تسوية أوسع نطاقًا لتأمين الاستقرار الإقليمي.
فيما تستمر المناوشات المنبثقة من الحرب في غزة بالانتشار في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، قد يكون من المتوقع أن يضطلع الدبلوماسيون العُمانيون بدورهم المعتاد في نزاعات الخليج، من خلال التحدث مع الجميع والسعي إلى جذب أطراف الصراع إلى طاولة المفاوضات في محاولة لتأمين الاستقرار الإقليمي. لكن الظروف الحالية مختلفة، وتشير مسقط إلى أن انخراطها المتجدد يتطلب تحرك الجهات الفاعلة الأخرى.
تندرج جهود التيسير العُمانية ضمن تقليد قديم قائم على التسامح وضبط النفس، تجلى عند تشكل المذهب الإباضي في الإسلام على يد الذين لم يرغبوا في الانحياز إلى أي طرف في ما أصبح يُعرف لاحقًا بالخلاف بين الشيعة والسنّة. وتماشيًا مع هذا التقليد، عمل السلطان قابوس خلال فترة حكمه بنجاح وتكتم على تيسير التسويات بين الكثير من الأطراف الأجنبية المتناحرة مع بعضها البعض، بما في ذلك استضافة بنيامين نتنياهو في زيارة قام بها في تشرين الأول/أكتوبر 2018. وتعهد خلفه السلطان هيثم بمواصلة دور الوسيط الودي والمساعي الحميدة في أول خطاب له عند تبوئه العرش خلفًا لقابوس في عام 2020، وواصلت السلطنة القيام بذلك في العديد من المواقف.
لكن في نزاع غزة الحالي، تُعد قطر الشريك المفاوض الطبيعي بين إسرائيل و"حماس"، لا سيما وأن الدوحة استضافت "حماس" ودعمت وجودها لسنوات كثيرة. وقد تبنت وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدوحة وجهة نظر الحركة في تغطية الوضع في غزة، ومن غير المستغرب أن قيادة "حماس" أصبحت تعتمد بدرجة معينة على مضيفتها. وفي المقابل، واجهت عُمان مشاكل مع "حماس" في الماضي، بحيث قامت بتفكيك خلية تابعة للحركة على أراضيها في منتصف تسعينيات القرن الماضي. وفيما تحسنت العلاقات مع عُمان، يظل القطريون الأكثر ملاءمة لتيسير الحوار مع "حماس".
العلاقات العُمانية الإيرانية
في المقابل، من المرجح أن تكون عُمان في وضع أفضل للتعامل مع الإيرانيين والحوثيين. فالدبلوماسيون العُمانيون يتمتعون بعلاقات عمل وثيقة مع نظرائهم الإيرانيين ويصف كبار المسؤولين العُمانيين علاقاتهم الثنائية مع إيران بأنها ودية وقائمة على الثقة التي بنيت على مدى سنوات كثيرة. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، وصف مسؤول عُماني كبير المكتب الإيراني، وهو بؤرة تنسيق التعاملات مع إيران، بأنه الأكثر نشاطًا في وزارة الخارجية العُمانية.
بالإضافة إلى ذلك، إن قوة هذه العلاقة هي ثمرة الإرادة. ففيما يتذكر بعض كبار المسؤولين العُمانيين تدخلات الجمهورية الإسلامية في الشؤون الداخلية العُمانية، يسعى معظمهم إلى تعزيز العلاقة مع إيران والتركيز على العلاقة التاريخية القديمة بين بلاد فارس وعُمان. على وجه التحديد، يشير العُمانيون إلى المساعدة التي قدمتها إيران لعُمان خلال حرب ظفار بين عامَي 1970 و1976 ضد الانفصاليين في محافظة ظفار العُمانية، التي كبدت جيش الشاة خسائر كبيرة وادت إلى مقتل 700 إيراني، إلى جانب المصالح المشتركة بين البلدين في مضيق هرمز.
يدعم أيضًا هذه العلاقات غير المعلنة والتي نادرًا ما يتم الاعتراف بها، واقع أن عُمان تجد نفسها في وضعية مريحة بين إيران الشيعية والدولتَين السنّيتَين صاحبتَي الثقل في مجلس التعاون الخليجي، أي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. كما تجدر الإشارة إلى أن النهج الإيجابي الذي تتبعه عُمان تجاه إيران يعكس الحقائق الجيوسياسية في الخليج: إيران هي قوة مهيمنة، ولا تلقى استراتيجيتها المتعلقة بنفوذها الإقليمي معارضة تُذكر من قبل الجهات النافذة للتصدي لها.
بما أن جهود التيسير التي تبذلها عُمان تقوم على التكتم، لم تظهر تفاصيل تُذكر عن الدور العُماني في اتصالات إيران مع خصومها السياسيين في الأشهر الأخيرة. لكن إيران اعترفت بأنها كانت على تواصل مستمر مع الولايات المتحدة، وبدون علاقات دبلوماسية قائمة بين البلدين، تمرّ على الأرجح هذه الاتصالات إما عبر السفارة البريطانية في طهران أو عن طريق العُمانيين، ولكن على الأرجح من خلال مزيج من الاثنين. ويتعزز موقف عُمان بالنسبة إلى إيران، دعمًا لهذه الاتصالات، من خلال إدانة عُمان للهجمات الأمريكية والبريطانية المضادة للطائرات بدون طيار على مواقع الحوثيين في اليمن، ومن خلال رسائل أخرى من جانب مسقط تؤكد حق الفلسطينيين في إقامة دولة.
يلف التكتم أيضًا دور عُمان في التبادلات بين الحوثيين وخصومهم. فالحوثيون يمارسون دبلوماسيتهم العامة بواسطة مكبرات الصوت والخطابات العدائية التي يصدح بها المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع وعضو المكتب السياسي لجماعة "أنصار الله" محمد البخيتي. وفي المقابل، تمر القناة المعتمدة للحوار الجدي عبر محمد عبد السلام، كبير مفاوضي الحوثيين وعضو المكتب السياسي، الذي غالبًا ما يتم رصده في مسقط وليس في صنعاء. وهذه هي القناة الدبلوماسية التي كادت أن تفضي إلى تسوية للحرب الأهلية اليمنية طويلة الأمد، ولكن يبدو أن هذه التسوية باءت اليوم بالفشل من جراء تداعيات النزاع في غزة.
إن هذه القناة معلّقة حاليًا. من ناحية، من الواضح أن لعُمان مصلحة في مواصلة دور الوسيط ومساعيها الحميدة مع الحوثيين. ويمكن إعادة إحياء التسوية المحتملة للحرب الأهلية، إذ لا يزال لدى عُمان مصلحة أمنية قوية في استقرار اليمن على حدودها الغربية ومصلحة اقتصادية في تعزيز التجارة مع جارها. على غرار دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، تعاني عُمان من جراء تحويل مسارات سفن الشحن بعيدًا عن قناة السويس ليس بسبب زيادة تكاليف الشحن فحسب، بل أيضًا بسبب خسارة حركة الملاحة من السويس إلى آسيا عبر صلالة، والتي جعلت هذه الأخيرة ثاني أكثر الموانئ نشاطًا في الشرق الأوسط. كما ستتعطل الصادرات المتجهة غربًا من مصفاة الدقم الموسعة حديثًا.
ولكن في حين تملك عُمان عوامل محفزة قوية لتساعد في تهدئة الحوثيين، من الواضح أن مسقط تعتقد أنها لا تستطيع القيام بذلك طالما أن مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية لم تُحل. وكما يتجلى في خطب مساجد الجمعة التي ترعاها الدولة، فإن دول مجلس التعاون الخليجي عالقة بين الاعتراف بالحماس الشعبي للقضية الفلسطينية من جهة والحذر من الانتشار الجانبي لدعم المنظمات الإسلامية المحلية المحظورة من جهة أخرى. لكن هذه الاعتبارات تؤثر أيضًا في عملية صنع القرار العُماني في ما يتعلق بالسياسة الخارجية. فقد أكد وزير الخارجية العماني السيد بدر البوسعيدي في خطاب ألقاه في أكسفورد في 15 شباط/فبراير، قناعته بأن تسوية النزاع في غزة وتحقيق الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة يعتمدان بشكل حاسم على تلبية التطلعات الفلسطينية والإسرائيلية والتوفيق بينها.
في هذا الإطار، فإن السعي إلى القيام بتحسينات مؤقتة للوضع قد يعيق حتى تحقيق الطموح طويل الأمد بإرساء الاستقرار الإقليمي. ولذلك، صرّح السيد بدر في اجتماع أكسفورد أنه بينما كان يتمنى أن يدعي بحصول مفاوضات خلف الكواليس، إلا أن الواقع كان مختلفًا. وفي حين أن هكذا تصريح من السيد بدر قد يكون متوقعًا في العلن، إلا أن ما يدور في الكواليس لا يبدو مختلفًا. ويبدو أن الوقت لم يحن بعد للمضي قدمًا في جهود التيسير مع الحوثيين، كما أن محاولة فعل ذلك من شأنها أن تستهلك رأس المال السياسي الذي سيكون ضروريًا للغاية في المستقبل.