- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
احتجاجات درعا السورية تقوض رواية الأسد عن الانتصار
تظهر الاحتجاجات الأخيرة في درعا أن سيطرة الأسد على مناطق سيطرة النظام ليست كاملة كما تبدو.
قبل عشر سنوات، في مدينة درعا جنوب سوريا، انتفض الأهالي بوجه نظام الأسد. وانطلقت الشرارة بعد أن قام النظام بتعذيب أطفال محليين وقتلهم لأنهم رسموا بالطلاء عبارة "إجاك الدور يا دكتور" في إشارة إلى بشار الأسد. ومنذ ذلك الحين، عانى السوريون في كل أنحاء البلاد عقدًا من الاعتقالات والتعذيب والتجويع والبراميل المتفجرة والهجمات بالأسلحة الكيماوية. لكن في 18 آذار/مارس، خرج أهالي درعا مرة أخرى بطريقة سلمية إلى الشوارع ليحتفلوا بالذكرى السنوية العاشرة للثورة السورية وليطالبوا، بعد كل شيء، بالحرية. وتشكل احتجاجات درعا تنديدًا شديدًا بشكل خاص بمزاعم نظام الأسد بأنه "تصالح" مع المنطقة. فحدوث هذه الاحتجاجات في العام 2021 في درعا يبين أن قبضة الأسد على السلطة سهلة الاختراق أكثر مما يدعي الكثيرون.
احتجاجات العام 2011 في درعا
لا يسير الوقت في خط مستقيم بالنسبة للكثيرين في درعا: فقد يبدو أن العام 2011 وقع منذ وقت طويل ووقع بالأمس في الوقت نفسه. بعد إعادة جثث الأطفال إلى عائلاتهم في العام 2011، قال عاطف نجيب – وهو مدير الأمن السياسي في درعا وابن خالة بشار الأسد - لآباء الأطفال: "انسوا أنكم أنجبتم أطفالا. وإذا أردتم إنجاب أطفال آخرين مكانهم، أرسلوا زوجاتكم ونحن نحبّلهن لكم". ورأى رجال القبيلة المحلية في هذا الكلام إهانة كبيرة تضاف إلى خسارتهم، فهناك لا يزال للشرف قيمة كبيرة.
فأطلقت تلك الأفعال شرارة الثورة الأولى يوم الجمعة 18 آذار/مارس 2011 وذلك بعد صلاة الجمعة في جامع حمزة والعباس. وكانت الإشارة لبدء الاحتجاجات هي صيحات "حرية، حرية، حرية" و"سلمية، سلمية، سلمية". ثم سار المتظاهرون، الذين وصلت أعدادهم حينذاك إلى المئات، نحو المسجد العمري الشهير، وراحوا يهتفون "مافي خوف بعد اليوم!"
وفي النهاية، خرج الآلاف يهتفون ضد النظام، وساروا نحو المنطقة التي يقع فيها مقر حكومة المحافظة وتُعرف بدرعا المحطة ثم نزلوا باتجاه منطقة الكرك. وهناك، قوبل المتظاهرون بعناصر من المخابرات باللباس المدني كان يرأسهم نجيب، وأطلق هؤلاء قنابل الغاز المسيل للدموع قبل أن يبدأوا لاحقًا بإطلاق الرصاص الحي وقتل المحتجين. وأدت هذه الهجمات إلى حلقة مفرغة حيث أثارت جنازات هؤلاء القتلى احتجاجات جديدة، ما أدى إلى المزيد من عمليات القتل على يد النظام.
وإزاء استمرار فيض الدعم للحركة الاحتجاجية في درعا، داهم نظام الأسد في غضون أسبوع المسجد العمري، الذي كان قد أصبح نقطة محورية للمظاهرات ومركزًا طبيًا محليًا لمعالجة المصابين بسبب الخوف من انتقام النظام منهم في المستشفيات. وبحسب ما أفاده ناشطون محليون آنذاك، عمد عناصر المخابرات والشبيحة التابعين لنظام الأسد – كوسيلة للتغطية على تلك المذبحة الأولى في المسجد العمري - إلى الاختباء في سيارات الإسعاف الحكومية مدّعين أنهم جاؤوا للمساعدة، ولكنهم عند وصولهم قتلوا كل من كان داخل المسجد. بالرغم من ذلك، كلما اتسع نطاق الاحتجاجات، ازداد عدد سكان القرى والمدن السورية الأخرى الذين خرجوا إلى الشوارع مستلهمين من شجاعة سكان درعا.
الاحتجاجات الجديدة في درعا
بعد عشر سنوات، ومع أن بشار الأسد يزعم أنه يسيطر على درعا وأجزاء أخرى من الجنوب، أظهر أهالي درعا مرة أخرى للعالم في 18 آذار/مارس أن مطالبهم الأولى بالحرية لا تزال هي نفسها في مواجهة عقد من القتل على نطاق مهول. وفي ظلال مسجد العمري المدمر وركام البنى التحتية الأخرى في المنطقة التي خلّفتها سنوات طويلة من غارات النظام الجوية، خرج المئات للرقص والغناء والتلويح بعلم الاستقلال السوري. وعُلقت لافتة على المبنى المدمر المحيط بالمتظاهرين كتب عليها "الثورة حق ... والحق لا يموت".
بالرغم من كل الآلام والصدمات التي عاناها هؤلاء على مر السنوات العشر الماضية، ما زالوا يرقصون رقصة الدبكة الشهيرة في الشوارع نفسها التي تعرضوا فيها للقتل، آملين بمستقبل أفضل. رجالٌ ونساء وأطفال ومسنّون يمسكون بذراع أحدهم الآخر ويتمايلون إلى الأمام والخلف مرددين أغنية "حوران [المنطقة التي تقع فيها درعا] جنتنا لأن فيها أصدقائي وإخوتي". إنهم يظهرون أن هذه المنطقة، حتى بعد كل الدمار الذي حصل فيها، هي موطنهم.
وفي أوقات أخرى، كرر المتظاهرون هتافات كانوا قد أطلقوها خلال الاحتجاجات الأولى عام 2011، على غرار "الموت ولا المذلة، بالروح نفدي وطننا" و"سوريا لنا وليست لحزب البعث". وتم أيضًا ترداد رسالة أمل إيجابية بالمستقبل بوجه كل ما حدث خلال العقد الماضي: "من حوران هلَّت البشاير لعيونك يا سوري يا ثاير".
وعلاوة على أن الكثير من الذين اختبروا معاناة شديدة خلال السنوات العشرة الماضية ما زالوا محافظين على الجوهر الأصلي للثورة السورية بصبر وتحمل واضح، ثمة جوانب رئيسية تروي قصة أكبر عن 18 آذار/مارس 2021.
وأبرزها حقيقة أنه تم السماح بحدوث هذه الاحتجاجات في المقام الأول. فأي شخص يتابع نظام الأسد عن كثب، يعرف أن النظام يدير المجتمع ويحدد المسموح والممنوع بشكل دقيق ومنسق للغاية. لذلك فإن حصول هذه المظاهرات بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة يبين أن سيطرة النظام على درعا والأرجح أجزاء أخرى من المحافظة ككل، ليست محكمة بقدر ما يدعي بشار الأسد وروسيا.
بالتالي، في ضوء التحديات الأخرى الحادة المتعلقة بالاقتصاد وجائحة كورونا وعدم شرعية بشار الأسد، تقوض أحداث 18 آذار/مارس 2021 المزاعم القائلة إن الأسد "ربح" الحرب ويحق له حكم البلاد شرعيًا. كما تُظهر أن الأسد، في منهجه القائم على الترهيب والتخويف للاحتفاظ بالسلطة، لم يفعل شيئًا لمعالجة مطالب المحتجين الأصلية.
إن العجز عن كسر عزم السوريين التواقين إلى التحرر من الطغيان بعد كل ما ارتكبه الأسد من انتهاكات لا تعد ولا تحصى لحقوق الإنسان، يسلط الضوء بقوة على طبيعة نظامه غير المستدامة في النهاية.