- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الحرم القدسي: منظور إسرائيلي
يؤكّد عبد الله صوالحة في مقال بعنوان "لماذا يتوجب على إسرائيل الإصغاء لوجهة النظر الأردنية فيما يتعلق بالحرم القدسي" (منتدى فكرة، 11 آب/أغسطس، 2017) أنه في ما يتعلق بمعالجة أزمة الحرم القدسي الأخيرة، أعارت إسرائيل اهتمامًا للاعتبارات السياسية الداخلية أكثر من التنسيق مع الأردن. وفيما أوافق على أنه كان بمقدار إسرائيل أن تعثر على حلّ أنسب للأزمة، أؤمن بأن المقال لا يمثّل سوى صورة جزئية، إذ ينقصها بعض العناصر الهامة.
أولًا، أنحن على يقين أن إسرائيل لم تنسّق مع الأردن؟ أعتقد أن مثل هذا التنسيق قد حصل، وإن كان ربما ناقصًا. في الواقع، أعلمني مسؤولون في الحكومة الإسرائيلية بأن دولة الأردن تبلّغت قرار وضع أجهزة الكشف عن المعادن ولم تعرب في البداية عن أي اعتراض.
وثانيًا، من المتعارف عليه أن الاعتبارات السياسية الداخلية تؤثّر كثيرًا على صناعة القرارات الإسرائيلية. إلا أن الاعتبارات الأمنية الحقيقية لم تقلّ أهمية في هذه الحالة. ومن وجهة نظر إسرائيل، لقد تم تقويض الوضع الراهن عندما قام إرهابيون بتهريب الأسلحة إلى داخل الحرم القدسي الشريف مما أدى بالتالي إلى مقتل شرطيين إسرائيليين. تتحمل إسرائيل مسؤولية الحفاظ على الوضع الأمني داخل الحرم الشريف وحوله، وتتولى مهمة حمايته من المتطرفين العنيفين المسلمين واليهود على حدّ سواء، مما حتّم عليها، بالتالي، أن تردّ على الهجوم. وما وضع أجهزة الكشف عن المعادن إلا توصية مهنية من الشرطة. كان على الحكومة الإسرائيلية أن تتفهّم أكثر دقّة قضية الحرم الشريف عبر تجنب لفت أنظار الشعب إلى هذه القضية واتخاذ تدابير أمنية بديلة. بيد أنها لم تستطع أن تردّ بطريقتها المعهودة، على خلفية الهجوم الإرهابي، من دون اتخاذ تدابير أمنية إضافية.
وفي هذا السياق، لا يدعم الاستشهاد بفشل قمة العقبة التي انعقدت في شهر شباط/فبراير من العام 2016 وجهة نظر هذا المقال. فعلى حدّ علمي، يتمثل السبب الرئيسي الذي أدى إلى فشل قمة العقبة في أن القادة العرب المعنيين شاركوا رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو شكوكه حول رغبة وزير الخارجية جون كيري في إعادة إحياء عملية سلام إسرائيلية فلسطينية من خلال خلق غطاء إقليمي، لأنهم لم يثقوا بقيادة الولايات المتحدة لمثل هذه المبادرة.
وثالثًا، لا شكّ في أن إسرائيل تدرك أهمية دور الأردن في القدس، وتحترمه، وتفضّله كثيرًا على غيره. ومن المؤكد أن إسرائيل لا تؤيد محاولات أنصارها الإسلاميين كتركيا على سبيل المثال، للتدخّل في القدس. وفي الوقت عينه، إن إسرائيل على دراية بالقيود التي تحدّ من قدرة الأردن على تأدية دور يساهم في إحلال الاستقرار في زمن الأزمات. ولقد أظهرت الأزمة الأخيرة مدى صعوبة وقوف الأردن في وجه التحريض الإسلامي والتأجيج المذهبي واحتوائهما.
وعلاوة على ذلك، أظهرت الأزمة أن دولة الأردن لا تسيطر بشكل كامل على إدارة الأوقاف، المسؤولة عن الإشراف اليومي على المواقع الدينية الإسلامية المقدسة في المقدس، على الرغم من أن الدولة هي من تسددّ رواتب موظفي الأوقاف. وبالفعل، أثبت دور إدارة الأوقاف، ولاسيما دور قادتها الدينيين، أنه ملتبس للغاية. وفضلًا عن ذلك، نتيجة للضغوطات التي مارسها كل من الشارع الأردني المعادي لإسرائيل والبرلمان، والتي تفاقمت على خلفية الحادثة المؤسفة جدًا التي تخللها مقتل أردنيين (أحدهما من المارة) على يد أحد حراس السفارة الإسرائيلية فيما كان يدافع عن نفسه جراء تعرضه لهجوم، أجبر النظام الأردني على اتخاذ موقف علني يعرب فيه عن انتقاده بشدة لإسرائيل.
وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن التنسيق عن كثب مع الأردن مهم جدًا بالنسبة إلى إسرائيل وينبغي الحفاظ عليه وتعزيزه. إلا أن هذا التنسيق لا يمكن أن يحلّ محل المسؤولية التي تقع على كاهل إسرائيل لجهة حراسة الحرم الشريف.. وإن كانت توصيات الدراسة تشير ضمنًا إلى أنه ينبغي أن إسرائيل أن تتقاسم هذه المسؤولية مع الغير، فإن هذا الاقتراح بالتالي غير واقعي. وعلى كل حال، إن ساد العنف في هذا المكان الحرج للغاية، فستتوجه أصابع اللوم نحو إسرائيل دون سواها.