- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
صعود حركة طالبان وعُقدة إيران الحرجة في أفغانستان
في مواجهة أفغانستان التي تسيطر عليها حركة طالبان، من المرجح أن تنتهج إيران براغماتية قائمة على المصالح المشتركة وتتخلى عن التصعيد، حتى في مواجهة التهديدات الإرهابية المتزايدة.
في 27 تشرين الأول/ أكتوبر، اجتمع العديد من وزراء الخارجية في طهران لمناقشة الوضع في أفغانستان، حيث أعرب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان عن رغبته في أن تتبنى حركة طالبان "نهجاً ودياً تجاه جيرانها وأن تتعهد بعدم وجود أي تهديد ضدهم من قبل أفغانستان"، كما أعرب عن قلقه من الأزمة الاقتصادية في أفغانستان ودعا الولايات المتحدة إلى رفع العقوبات المفروضة على إيران.
أبرز انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان واستيلاء حركة طالبان على مقاليد الحكم في البلاد، الطبيعة المعقدة للعلاقات بين حركة طالبان وإيران. وفي حين تُبدى إيران مخاوفها بشأن حدودها التي تبلغ 900 كيلومتر تقريبًا مع أفغانستان - مع استمرار وجود المزيد من اللاجئين والتجارة غير المشروعة عبر الحدود وتهريب المخدرات - بالإضافة إلى معاملة طالبان للأقلية الشيعية في أفغانستان، فإن استيلاء طالبان على السلطة هو حقيقة يجب أن تتعايش معها إيران الآن. وفى حين تتطلع إيران بنشاط إلى استخدام الدبلوماسية للتوافق مع حركة طالبان، فمن غير المرجح أن يتم استخدام القوة للرد على الاستفزازات الأفغانية حتى مع تزايد خطورة الوضع في أفغانستان.
وفى حين اتسمت العلاقة بين إيران وطالبان بالعداوة خلال المرحلة الأولى لسيطرة طالبان على أفغانستان، إلا أن العلاقة الطرفين أصبحت أكثر تصالحية خلال العقود الماضية بعد أن نجح قائد فليق القدس السابق قاسم سليماني بإنشاء علاقات وطيدة مع الحركة لتوحيد الجهود ضد القوات الأميركية المنتشرة في أفغانستان، وذلك من منطلق العداء المشترك للولايات المتحدة، إذ انتقدت إيران بشدة الوجود الأميركي في أفغانستان، كجزء من معارضتها العامة لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة، وتصاعد هذا النقد بعد مقتل سليماني.
وبصرف النظر عن التصور الإقليمي لفشل الولايات المتحدة في أفغانستان، يؤكد خطاب المسؤولين الإيرانيين أيضًا على تضامن البلاد مع حركات التحرير - بما في ذلك حركة طالبان - في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن توجهها الأيديولوجي. وفى هذا الصدد، ينظر قادة الميليشيات المدعومة من قبل إيران إلى النصر السريع الذي حققته حركة طالبان على أنه نموذج يتوافق مع مصالحهم الخاصة، ودعوا إلى تكرار التجربة في سوريا والعراق. جاءت تلك الأحداث في الوقت الذي قامت فيه إيران بربط اعترافها الرسمي بحكومة طالبان بتشكيل "حكومة شاملة"، وإدانة إيران لدعم باكستان لهجوم "طالبان" ضد حركة المقاومة في وأدى بنجشير الذي أعلنت طالبان للتو أنه "تحت قيادتنا".
في حين تدعم إيران حركة طالبان صوريا كهيئة حاكمة، إلا أنها تخشى أيضا الحركة وذلك بسبب قبضتها الضعيفة على البلاد ووجود عناصر متشددة داخل الحركة. تأكد هذا التخوف بعد أن أثبتت الحركة فشلها في منع تفجير العديد من المساجد الشيعية في ولاية خرسان في تشرين الأول / أكتوبر، والذي تباه تنظيم "داعش". وفى هذا الصدد، تبدو إيران أنها غير متخوفة من صعود الحركة، وإنما تخوفها الأكبر يأتي من التيارات المتشددة داخل الحركة فعلى سبيل المثال، هناك تيار معروف بـ(شبكة حقاني)، ما زال يحتفظ بعلاقات جيدة مع تنظيم القاعدة والجماعات السنية المتطرفة الأخرى - ويتبنى نهجاً أكثر تشدداً من أجنحة الحركة الأخرى. ومن ثم، تخشى إيران على مصير العلاقات بينها وبين طالبان إذا صعدت هذه الشبكة. ومن الجدير بالذكر أن زعيم الحركة يتولى حاليا منصب وزير الداخلية في الحكومة الأفغانية وهو المسؤول نظريا عن مكافحة الإرهاب داخل أفغانستان. لذلك يمكن أن يؤدى هذا التيار الى تراجع العلاقات الأفغانية الإيرانية إذا ما استمر في تحقيق مكاسب في الحكومة الجديدة.
ومع ذلك، هناك عدة أسباب وراء محاولة إيران تجنب أي حالة تصعيدية مع الحركة، حتى في حالة تدهور الوضع الأمني داخل أفغانستان. وفى حال قيام إيران بالتصعيد ضد الحركة، فإن أفضل خيار لها لمواجهتها هو استخدام لواء فاطميون - وهي ميليشيا أفغانية مدعومة من قبل إيران تقاتل حاليًا في سوريا، وتأسست في عام 1996 في عهد أحمد شاه مسعود. ومع ذلك، فإن التصعيد ضد طالبان قد ينطوي على بعض المخاطر المحتملة، وسيكون غير مستساغ لحكومة إيرانية تواجه تحدياتها الداخلية. والجدير بالذكر أن قدرة إيران على تجنيد لواء فاطميون واستغلاله ما زالت محدودة نظرا لقلة عدد السكان الشيعة في أفغانستان وغياب العمق الاستراتيجي الذي يربط إيران مباشرة بمناطق الانتشار. من جهة أخرى، إيران لديها أسباب للتخوف من أن تنجح طالبان في حشد الإيرانيين الأفغان ضد طهران في حالة توتر العلاقات.
إضافة الى ذلك، قد يشجع التصعيد مع طالبان الجماعات الجهادية المسلحة على الانضمام للحركة، وتناسي الخلافات الفقهية، وتوحيد الجهود ضد إيران. وتشمل هذه الحركات المسلحة الحركة "البلوشية" الانفصالية في جنوب شرق إيران، والتي هي مزيج من العرق الأفغاني والإيراني. ومن أبرز تلك الحركات أيضا "جيش العدل"، وهو جماعة مرتبطة أيديولوجيا ومنهجيا بطالبان، وتشارك في مواجهات متفرقة مع الحرس الثوري الإيراني.
ومع ذلك، تحذر إيران من تكرار سيناريو استهداف القنصلية الإيرانية في ولاية مزار شريف الأفغانية عام 1998، والتي راح ضحيتها 8 دبلوماسيين إيرانيين، وكادت تلك العملية أن تنشب حرباً بين أفغانستان وإيران.
حتى الآن، ساعدت السياسة الخارجية البراغماتية الإيرانية على التغلب على العديد من المضايقات الاستراتيجية التي تنطوي عليها سيطرة طالبان على أفغانستان. كما أن حالة التوافق التي جمعت الحركة بإيران في مرحلة ما بعد الغزو قد تنجح في إعادة نسج خيوط هذه العلاقة القديمة من خلال الاستفادة من المصالح المشتركة، مثل معارضة تنظيم " داعش" ومبيعات النفط وتجارة المخدرات عبر الحدود.
كما أظهر المؤتمر الأخير، أن إيران ستسعى أيضا إلى الاستفادة من الدور الذي يمكن أن تلعبه الصين وقطر وروسيا وباكستان في تهذيب خطابات وسلوكيات الحركة. ومن ثم، تدرك إيران جيداً أن هذه الدول يمكنها أن تلعب دوراً مؤثراً في ضبط سلوكيات الحركة، خصوصاً وإنها بحاجة اليوم للدعم السياسي والاقتصادي الى جانب الاعتراف الدولي لبسط سيطرنها على البلاد. ومع ذلك، فإن نجاح هذه المساعي يعتمد بشكل كبير على قدرة طالبان على اجتياز الأزمات الاقتصادية والإنسانية، ومشكلة التطرف التي تقترب بسرعة من البلاد.