تجاذبات الساحة السياسية عشية الانتخابات البرلمانية في الجزائر
جاء التعديل الدستوري الجديد في الجزائر مخيبا لطموحات المعارضة حيث فشل في إسناد تنظيم الانتخابات إلى هيئة مستقلة تشرف على إدارة جميع مراحل العملية الانتخابية بداية بمراجعة القوائم الانتخابية وانتهاءاً بإعلان النتائج، ورغم هذه الخيبة فإن أغلب أحزاب المعارضة قررت المشاركة في الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في الرابع من مايو القادم.
ويبدو أن السلطة الجزائرية اهتدت إلى حل وسط يجنبها الآثار السلبية والانعكاسات غير المرغوب فيها محليا ودوليا والمترتبة عن مقاطعة المعارضة للانتخابات التي تنظمها الإدارة الجزائرية التي طالما وجهت لها أصابع الاتهام من قبل أحزاب وشخصيات معارضة بأنها لا تلتزم النزاهة والشفافية في إشرافها على الانتخابات وأنها تقف في صف الأحزاب الموالية للسلطة بتجييرها لنتائجها لصالح تلك الأحزاب. وتخشى السلطة الجزائرية أن تتعاطف الدول الغربية مع موقف المعارضة في حال مقاطعتها للانتخابات كمبرر لانتقادها لها، مما قد يضعف صورة النظام السياسي الجزائري أمام تلك الدول.
ويرى الكثير من المطلعين السياسيين، أن الانتخابات التشريعية المقبلة ستكون نقطة تحول محتملة في تحديد الأفراد الذين سيحكمون البلاد بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2019، أي بعد اقل من عامين، وهي مدة تزيد من حركية النشاط السياسي الذي بدأ يأخذ إيقاعا متسارعا مع بداية الحملة الانتخابية ويفرض على كل تيار سياسي حالة من التجاذب والتنافر بغية الوصول إلى تحديد الشخصية التي تحظى بالقبول لدى الشارع السياسي والتي يمكنها الوصول بذلك التيار إلى سدة الحكم.
وقد أشار التعديل الدستوري الجديد إلى أن “الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات تشرف على عملية مراجعة الإدارة للقوائم الانتخابية وصياغة توصيات لتحسين النصوص التشريعية والتنظيمية التي تحكم العملية. كما أنها تسهر على شفافية الانتخابات ونزاهتها “، دون أن يكون لها صلاحية تنظيم الانتخابات وإعلان نتائجها والتي تبقى دائما من مهام الإدارة الجزائرية. إلى جانب ذلك فإن قانون الانتخابات الجديد يلزم جميع الأحزاب التي تحصلت على أقل من أربعة بالمائة من الأصوات في الانتخابات النيابية السابقة بجمعها لتوقيعات المواطنين بمعدل 250 توقيعا عن كل مقعد في الدائرة الانتخابية التي تريد تلك الأحزاب دخول الانتخابات فيها، وحتى تقلل السلطة من حجم الانتقادات الموجهة لها داخليا وخارجيا وتظهر حسن نيتها في ضمان الحياد. كما منع قانون الانتخابات الجديد عددا من المسؤولين الذين يتقلدون مناصب إدارية ودبلوماسية وقضائية من الترشح حتى بعد مضي عام على تركهم لمناصبهم في حال التقاعد أو الاستقالة. كما قامت لجنة مراجعة سجلات الناخبين بشطب نحو 730 ألف مسجل تزعم الإدارة أنهم من مزدوجي التسجيل والمتوفين، وهو إجراء يتجاوب مع اتهامات العديد من الأحزاب والشخصيات السياسية للسلطة بتضخيمها للكتلة الناخبة بحوالي ستة ملايين مسجل حيث يبلغ عددها حسب أرقام الإدارة أكثر من 23 مليون ناخب، بينما ترى تلك الجهات أنها لا تتجاوز 18 مليون ناخب مما يمثل اتهاما ضمنيا للسلطة بصبها لفائض الأصوات في وعاء أحزاب الموالاة.
ويتشكل الطيف الحزبي من ثلاثة تيارات سياسية بارزة هي التيار الوطني المكون من جبهة التحرير الوطني التي يتزعمها بو تفليقة، والتجمع الوطني الديمقراطي، وهما الحزبان اللذان يقتسمان الحكومة معا، إضافة إلى بعض الأحزاب أغلبها في المعارضة كجبهة المستقبل والجبهة الوطنية الجزائرية. وهناك أيضا التيار الديمقراطي الذي يرتبط بما يعرف بالحساسية البربرية التي تتخذ من منطقة القبائل معقلا لها والمعروف عنها تاريخيا مواقفها المتصلبة من الممارسات " غير الديمقراطية " للنظام، وقد انتهى مطاف التجاذبات السياسية بالتيار الإسلامي لأن يتشكل في كتلتين سياسيتين، تدخل إحداهما الانتخابات تحت مسمى تحالف "حركة مجتمع السلم"، والأخرى أطلقت على نفسها تسمية "الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء".
وتعد الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في شهر مايو الحالي خامس انتخابات تجرى بعد الأزمة السياسية و الأمنية التي عصفت بالجزائر بداية تسعينيات القرن الماضي، و هي لا تشكل أهمية كبيرة استنادا إلى وزن السلطة التشريعية في النظام السياسي الجزائري الذي يسيطر عليه الجهاز التنفيذي ممثلا في رئيس الجمهورية الذي يحوز على صلاحية تشكيل الحكومة التي يرأسها وزير أول تقتصر مهامه في التنسيق بين الوزارات ، كما أن لرئيس الجمهورية صلاحية التشريع في العديد من الحالات المحددة دستوريا مما يضعف من سلطة نواب البرلمان و ينعكس سلبا على أهمية الانتخابات النيابية ، كما يبرر عزوف الناخبين في التشريعيات و نسبة المشاركة المرتفعة نسبيا في الرئاسيات كونها تحدد مصير البلاد من حيث إفرازها لصانع القرار الحقيقي . كما أن البرلمان السابق قد أثار الكثير من الشكوك بالنسبة للمحللين للشأن العام حول العديد من القوانين والتشريعات لعل آخرها تصويته على تعديل دستوري كان من المفترض أن يتم طرحه للاستفتاء الشعبي.
وتلقي الحالة الصحية لبوتفليقة بثقلها على المشهد السياسي بشكل عام وعلى الانتخابات البرلمانية القادمة على وجه الخصوص، فبوتفليقة يعاني من أزمة صحية أبعدته عن الأنظار لفترة طويلة حيث أنه لا يظهر في وسائل الإعلام إلا نادرا كما تبدو عليه علامات المرض والتعب والإعياء، الأمر الذي جعل العديد من الأصوات السياسية والإعلامية تطالب بضرورة إظهار الحقيقة بخصوص وضعيته الصحية مطالبة بتطبيق أحكام المادة 102 من الدستور المعدل المتعلقة بمرض الرئيس وعجزه عن أداء مهامه. و لا تخفي هذه الجهات اتهامها للأوساط المقربة من الرئيس بأنها هي من تدير فعليا شؤون البلاد مستغلة حالته الصحية ، فهو من وجهة نظرها لا يقوى حتى على القيام بالعديد من حاجاته الشخصية بما يثير تساؤلا لديها عن قدرته على إدارة دواليب السلطة و شؤون الحكم ، و تفند الدائرة الضيقة لبوتفليقة هذه المزاعم و تصر على أن بوتفليقة رغم كونه مقعدا فإنه لا يزال يحتفظ بجميع قدراته العقلية كما أنه على دراية كبيرة بمجريات الأوضاع داخل البلاد و خارجها
وعمل بوتفليقة منذ توليه الحكم على توطيد دعائم نظام رئاسي قوي من خلال سيطرته المحكمة على الجهاز التنفيذي وقام بتغيير الدستور للاستحواذ على بعض الصلاحيات التشريعية. كما سعى إلى إحداث توازن بين جميع مراكز ثقل النظام السياسي و هو ما انعكس على تركيبة محيطه القريب منه و المتكون من ثلاث شخصيات بارزة لها ثقلها الكبير في صناعة القرار، و يتعلق الأمر بكل من الفريق اللواء أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع و قائد الأركان، إلى جانب أحمد أويحيى مدير ديوان الرئيس ،بالإضافة إلى سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس و مستشاره الخاص حيث أنه يلعب الدور الأهم داخل هذه الدائرة الضيقة مستغلا قرابته من الرئيس و مستعملا في ذلك علاقاته الوثيقة مع العديد من المنظمات الجماهيرية و الأحزاب السياسية و المؤسسات الإعلامية و رجال المال و الأعمال .
وتخوض العديد من الأحزاب السياسية المعارضة منها على وجه الخصوص غمار التشريعيات القادمة مرغمة في ظل عدم توافر بدائل سياسية حقيقية وفي جو من الفساد. ولا تخفي أحزاب المعارضة مخاوفها من لجوء السلطة إلى تزوير الانتخابات خاصة أن الدائرة الضيقة المحيطة ببوتفليقة تثير شكوك و عدم اطمئنان العديد من الجهات فيما يتعلق بطريقة تسييرها لملف الحالة الصحية للرئيس ورفض هذه الدائرة الرضوخ لنداءات تلك الجهات بضرورة تقبل واقع مرض الرئيس و المرور نحو انتخابات رئاسية مبكرة ، بما يوحي أن السلطة الفعلية في الجزائر ذاهبة بإصرار نحو تثبيت نفسها على رأس النظام السياسي في المرحلة القادمة و ستتخذ من أجل ذلك كل السبل و جميع الأساليب لضمان ديمومة مصالحها و استمرارها في الحكم .